أرسل لي أحد الأصدقاء هذا الرابط لمقطع سناب شات تم رفعه عبر اليوتيوب مع رساله وضعها تحتها ، متى ما كان وقتك يسمح ، شاهد المقطع وأبلغني برأيك حوله ..

الذي يتحدث هو لؤي الشريف ، دارس لغات وهاويها ، ومن خلال حديثه يتكلم عن معاني كلمات قرآنيه أستعصت على المفسرين مثل ( ألم ، طـه ، كهيعص ) ..

حديثه في الفيديو جعلني أتذكر لفترة قديمة كنت مهتماً فيها حول علم اللسانيات وتعمقت فيه حول تاريخ اللغة العربيه وأصولها السامية ولم أتوقف عندها بل حتى إلى اللغات الأخرى القديمة ، ورأيي لم أتسرع في طرحه لصديقي الذي طلب مني رأيي حول المشهد والذي بالمناسبة هو لأول مره أسمعه ، ولكن عند بحثي حول هذا الموضوع وجدت أن هناك من سبقه في الحديث حول علاقة اللغة الأرامية باللغة العربيه وأمتداد تأثيرها على القرآن مما جعلهم يبدأون مرحلة التشكيك وإنشاء مدخل جديد حول فرضية أن القرآن مأخوذ من كتب أخرى سابقة وتم تجميعها وأن محمد علية الصلاة والسلام أفتراه بعد أن جمع مخطوطات سابقة لكتب سماويه وقام بجمعها .. ( لذلك ينتبه من يخوض في المسألة حول علاقة الأرامية حول اللغة العربيه وأن الموضوع ليس بالبسيط كما هو معتقد من الكثيرين الذين بدأو يتداولون الفيديو ورحلة البحث عن معلومات عنها ) ..

الحديث ليس جديداً بل بدأ قديماً وبشكل بسيط وكانت تأتي مرور الكرام منذ بداية القرن الماضي حتى بدأت تستجرأ بعض الكتابات الجديده والبحوث مع بداية القرن العشرين و هناك مؤلفات ناقشتها بعمق مثال ( القرآن ولغة السريان للمؤلف د. أحمد الجمل ) و ( the syro-aramaic reading of the quran للمؤلف كريستوف لكسنبورغ ) و العديد من المؤلفات التي لا يسع لي ذكرها جميعها ولكن حتى أبين أن الموضوع تم مناقشته كثيراً ولكن بسبب أن محور الدراسات هي القرآن فإنها لا تكون واقعيه ..

لست ضد مبدأ تعطيل العقل ، ولكن ليس مع الإعمال الزائد ، ولو فرضنا مثلاً أنه كما معلوم عند المسح على الخفين يجب علينا أن نمسح القدمين على ظهرهما ومع العلم أن الوساخه تقع بموضع المشي وهو بطن القدمين ولماذا إذا نعمل العكس و لا نمسح بطني القدمين ؟ ، المعنى الفلسفي العميق الذي أقصده هنا أن هناك بعض الظواهر لا تؤخذ بهذه البساطة بشكلها الظاهر وربما تخفى علينا كـ حال الكثير من النظريات الفيزيائيه التي تقف عند بعض الحالات حائرة ومبهمه و يقف العلماء عندها عاجزين لا يملكون تفسيراً منطقياً لها ، ومثل هذا يحدث مع كلام الله وهو أكثر إعجازاً ولم يستوعبه الكثير من أهل الكلام واللسان ..

أتذكر في بداية تعلمي للغة الألمانية وكنت حينها أعمل في شركة ألمانيه مقرها مدينة هامبورغ الألمانية ، وفي مكتبي المخصص لي كانت هناك ورقة صغيره موضوعه امام جدار مكتبي وكتب فيها جملة باللغة الالمانيه Arbeit macht frei ، كنت مستغرباً من معناها ووجودها وخاصة أن لفظ  Arbeit  يشبه تماماً لفظ كلمة ( عربية ) وموجوده في مكتب عربي ، كل هذه الأسباب تجعلك تفكر وتعتقد بارتباط اللوحه ووضعها في هذا المكان تحديداً أنها من أجلي ، أو ذات مدلول يقصد به العرب ، وبالرغم أن المكان الذي أعمل فيه جميعهم ألمان ولا يوجد أحد من خارج ألمانيا غيري ، فكنت أتفحص الكلمات حتى تفاجأت بدخول ألماني إلى مكتبي و رآني أتفحص الكلمات فسألني ما بي ؟ قلت له أنني ضعيف بالألمانيه حتى الأن ولكن فهمت الجملة جميعها ولكن Arbiet لم أفهمها فقال لي معناها ( عمل ) و يكون هكذا بالأنجليزيه Work makes (you) free ، ولو تشابه اللفظ علي وأقتنعت أن هذه رساله بالالماني يشيرون لي بأنني عربي إن أخذتها بلفظها الخارجي الخالص ولم أسأل أهل اللغة لفهمتها بشكل سيء ، وغيرها الكثير من الكلمات الألمانيه وهي بالمناسبة تعتبر من أغنى اللغات مفردات وأقدمها ومثل هذه الجملة ألمانية خدعتني أثناء جلوسي على المكتب في العمل ، ولو أخذت بظاهرها وغرقت في تشابه الحروف لقلت أن معناها العربي ماخت فري أو يجعله مجاناً ( وهنا مقصده حر ) ، ومن الطبيعي وجود كلمات مشتركه وتحمل معاني أخرى ومن يريد فهم اللغة الأنجليزيه عليه أن يتعلم اللغة الألمانيه لأنها الأم للغات الأنجليزيه و الهولنديه والنرويجيه والدينماركيه والسويديه  ، وكثير من الكلمات التي لا حصر لها متواجده في تلك اللغات بمعاني شتى ومختلفه ، ولو نظرت للغة البولنديه لوجدت تشابه لا حصر لها وحتى في اللغة التشيكيه أيضاً ويمكنني فهم بعض الكلمات عندما أقراءها وبعضها معناها مختلف جداً ، المقصود في كلامي أن ظاهر الكلمات ربما يخدعك بقوه ويضللـك في الفهم الصحيح ويغرقك في متاهات لا حدود لها ..

636px-Semitic_1st_AD-ar

الأراميه والعبريه والعربيه تشترك في اللسان والنطق وتكاد تكون لغة واحدة في أصلها ، وهذا ما قلت في كلامي السابق عن اللغة الألمانيه وعلاقتها مع شقيقاتها اللغات الصغرى لها ومدى تأثرهم الشديد ببعض ، ولو وجدت أن كلمات كثيره بدأت تدخل في لغتنا العربيه وهي أصلها من لغات أجنبيه ولو بحثت باللغات الأنجليزيه لوجدت مثال لكلمة Camera وهي كلمة عربيه وتعني قمرة أو الغرفة المضاءه من خلال نوافذ ، لذلك نسمي قمرة قيادة الطائرة بهذا الأسم و الكلمة بالمناسبة أخذت عند ترجمة كتاب المناظر لأبن هيثم ، بل لو نظرت لمصطلحات الفلك و أسماء النجوم لوجدتها عربيه !

إذاً وجود كلمات من لغات أخرى ليس غريباً ، فاللغات تتبادل وتتأثر و تتلاقح ببعضها البعض وتنتقل مفردات في ما بينها ، وتأثير اللغة العربيه لازال باقي في اللغة الأسبانيه منذ أيام الأندلس ، فأصبحت كلمات عربيه دخيله على اللغة الأسبانية من صميمها ، مثال الفارسيه والهندية وحتى الأثيوبيه أو الأمازيغيه و هن الجارات لها تجدها تزخر بكلمات عربيه ، إذا من يريد البحث عن علاقة اللغة الأراميه بالعربيه يجب أن يكون بعيداً شديد البعد عن القرآن وأن يضرب أمثلة عليه و كأنه كلام بشر عاش في الجزيرة العربيه ؟ وإن كانت هناك دراسات جادة حول مبحث الأرامية و العبرية واللغات المجاورة للعربيه ومدى تأثيرها الحقيقي عليها وهذا الشيء يحصل تماماً مع جميع اللغات وليست حكراً على العربيه ، بل من المستحيل أن تبقى لغة منكفئة على نفسها دون أن تكون متفتحه على جاراتها ، لذلك لا يوجد ما يسمى بكلمات أرامية بمعنى أرامي في القرآن و من يحاول ترجمة القرآن بلغة أخرى ، سيبدأ مرحلة توهان وتوهمات ستجعله بكل تأكيد يفتقد معناها العربي الجديد .. إختصاراً .. الظاهر باللسان ليس كالباطن بالمعنى ..

هامش  إقتباس من الصديق محمد أبو زيد :

’’ ولو نزل القرآن الكريم بغير اللغة العربية لاختلطت المفاهيم، واختلت البلاغة، واحتاج الناس إلى تفصيل كبير، وهذا ما قاله أبو حيان عند تفسيره لهذه الآية: لعلكم تعقلون ما تضمن من المعاني، واحتوى عليه من البلاغة والإعجاز فتؤمنون، إذ لو كان بغير العربية لقيل: )لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ(([14])([15]). ’’

أعود بكلامي موجهاً لكلام الشريف بشكل مباشر ، كلامي لا يعني إيقاف الأجتهاد العلمي الذي لا طالما أطالب فيه بكل العلوم دون أستثناء ، ولكن العلة في كلام الشريف ليس بإن كلامه خطأ فهذا أجتهاد ولكن يجب أن نعلم أن ليس كل مجتهد مصيب وهذا ما يجب أن يعلمه القارئ أولاً أو المستمع للفيديو ، وهو بالمناسبة كما ذكرت في بداية التدوينة ليس اول من أشار إلى هذا الأمر ، ولكن بسبب أنه أنتشر على لسانه هذا الكلام الذي طرحه على مصراعيه دون ضوابط وتنبيهات للمستمع ، أعلم نيته وقصده الشريف ولكن هناك الكثير من يختلط عليه الفهم و يبدأ مرحلة الشك ، فبدلاً من أن يقوم بنية طيبه بتفسير كلمات قرآنيه بمنظور آخر ، فهو يبدأ بهذه الطريقة بفتح طريق إلى الشك في القرآن حد ذاته ! ، وهذه مرحلة إيمانيه ربما الكثير لا زال يصارع فيها ، وبهذا الفيديو يفتح أفاقٍ لشرور، خاصة أن جميع من تحدث عن هذا الأمر كانوا عبر منظور دحض القرآن و إدعاءات مزيفة بإنه كانت هناك بعض الصحف  موجودة في الكعبة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذها ويدعي أنها قرآن ! ، ويستندون على ذلك وجود كلمات آراميه ، ولذلك عليهم ردوداً كثيره لا يتسع لها مدونتي الصغيره ، بل القرآن نفسه من يرد عليهم ومن لديه شك عليه بتصفح القرآن وتمعنه وتمحصه ، تفسيره للكلمات بالارامي ليس خطر  ، ولكن الخطر هو إطلاقه بشكل غير مقيد بضوابط وتنبيهات ويبدو في حديثه أنه لم يتبحر بشكل بعيد في علم اللسانيات ولا ما كان أن يجزم ويكون واثقاً لهذه الدرجة التي لم اجدها عند الآراميين أنفسهم ! ، ولو نظر لها بهذا الشكل السيد الشريف لما قال حديثه بهذا الشكل ، أتذكر قبل عدة سنوات تغريدة أطلقها مغرد لا يحضر لدي أسمه الأن ولكن كانت تغريدته تقول أن محمد عليه الصلاة والسلام قد حاول الإنتحار ، وحدث لها لغط كبير في تويتر ، وأحتدمت الصراعات على هذه التغريدة ، و هذه القصه وإن كانت محل خلاف قديم بين علماء الحديث بين صحتها و دجلها تبقى موجوده في الكتب ومن يريد أن يقرأ ( حاول الإنتحار ) عليه أن يكمل القراءة و يقرأ متى وكيف ولماذا ورأي العلماء المحققين في القصه ، نعم ربما القصة صحيحه كما هي أيضاً صحيحه قولة تعالي عز وجل ( ولا تقربوا الصلاة ) ، فهناك تكملة لها ( وأنتم سكارى ) ، بعض الأشياء من الصعب جداً أن تتحدث بها فقد تعلمت منذ صغري أن الحديث بشيء لا يألفه من حولي فالأفضل عدم الحديث به ، والسبب أن عقولهم لا تحتمل ذلك بسبب عدم وعيهم الكامل أو أطلاعهم المحدود ، حيث كنت منذ صغري متفوقاً ثقافياً على من حولي ، فلا يمكنني التفاهم بحديث لا يفهمه من حولي ، وهذا بالضبط ما يحدث مع الشريف ، فإن حديثه لا يسع طرحه في مقطع سناب شات ! ، كما هو الحال مع تغريدة محاولة أنتحار الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، ربما لو كان طرحه في كتاب ومؤصل بشكل واسع لكان قبولي له أكبر .. ومن يقرأ ردود الفعل الشاطحه التي أنتشرت بعد ألتهام الناس الفكرة بكل بساطه وتجرد ، إلى أن جعلت بعضهم يقول أنها لغة حديثه و قرآن مسروق ! الأمر وصل إلى حد أن ثقافة أمة وكأنها بنيت على باطل خلال 1400 عام ، وكأن ترجمة 20 كلمة أو 30 كلمه تستطيع قلب تاريخ أمه بكل مكوناتها الحضاريه والثقافيه !

بدأت حديثي بتاريخ فكرة وجود كلمات أراميه أو اثيوبيه حتى في القرآن ، وعرجت على مظهر الكلام وعلاقة اللغات بجاراتها الجغرافيه وتأثيرها الطبيعي عليها ، وتحول بعض الكلمات من لغة إلى لغة بمعنى جديد ، ومن ثم وجهت كلامي إلى مباشرة إلى عدم الصواب بطرح مواضيع حساسه دون ضوابط علميه وبهذه البساطه ، وهي بالتأكيد بساطه خطيره ..

أمنياتي بوجود كتاب يطرح الفكره بعمق وبمنظور إسلامي حديث ومن يود المساعده ، سأكون مسروراً ..