في عام ١٩٩٥ م وتحديداً كنت في سكن أرامكو في مدينة الظهران شرقي السعودية حيث كان عمري حينها إحدى عشر عاماً ، وقتها و لأول مره سمعت بكلمة إنترنت و لأول مره أراه في بيت إبن خالتي أنذاك ، كان يحدثني حينها عن طلب تلقاه من أحد أصدقاءه يطلب منه البحث عن معلومات عن مرض نادر وأنه تفاجئ من كمية المعلومات حول المرض وكان يقول أنه لشيء ساحر أنه يمكنه الوصول لهذا الكم المعلومات بشكل سريع و مجاني ، بالرغم من وجود الحاسوب في منزلي منذ الثمانينات و أوامر MS-DOS التي كنت أحفظ منها مثلاً عن ظهر قلب الأمر dir والذي كان يتيح لي الوصول إلى كل البرامج الموجودة أنذاك في الحاسوب ، لن أتطرق عن بداياتي في هذه التدوينة مع الحاسوب لإنني قد أسلفت الحديث عنها في هذه التدوينة السابقة ( عاصفة الذكريات ) .

3fca988992c57bc0c35dd01ff10bcf9e48624658.jpg

أول متصفح للإنترنت من ويندوز كان عام 1995 م

كان عام 1995 م هي أول مره أسمع فيه بشيء أسمه أنترنت ، تعلق بعدها الاسم في عقلي وبدأ يستهويني ويشغل أهتمامي ، ولم أزل أتذكره حتى جاء عام 1997 م مع الفراغ المصاحب له حيث كنت في زيارة لمدينة الرياض و تحديداً كنت في سوبر ماركت بندة العزيزية الموجود في حي الملك فيصل حيث كانت الأقدار أن أرى بعيني أول مقهى أنترنت في السعودية ربما مع وجود صاحب مقهى في مدينة الجبيل الصناعية يدعي أنه الأول في المملكة ولكن لا خلاف في أنها كانت من أول المقاهي في المملكة ، وبدون تخطيط قررت الدخول وطلب تجربة أول أستخدام حر ، أنا فقط ، بدون أن أجلس بجوار ابن خالتي وحتى يريني ماذا يستطيع فعله ، فأنا أريد أيضاً تجربة نفس الشعور ، طلبت من العامل في مقهى الإنترنت أن يعطيني التعليمات الرئيسيه لدخول الانترنت وكيف استخدمه ، كانت المواقع العربيه ليست موجودة ، فالانترنت في السعودية لم يدخل بشكل رسمي إلا في عام 1997 م وكان مقصوراً عبر المؤسسات و الشركات الكبرى في ذلك الوقت و قامت بعض المقاهي الانترنت بالانتشار ولم يكن هناك إمكانية للإفراد أن يقوموا بدخول الأنترنت من منازلهم إلا في حالات محدودة مثل ما أسلفت عبر شبكة أنترنت أرامكو والتي كانت مربوطة عبر البحرين في ذلك الوقت ، أعود لأذكر كيف كانت تجربتي لأول مره في عام 1997م بالدخول إلى الانترنت ، كل ما أتذكره أنه لم يوجد إلا مواقع أجنبيه أتذكر منها ياهو ومحرك البحث الذي بها  ، كان مملاً بعض الشيء ولكن أرشدني الموظف في المقهى إلى برنامج المحادثة الاقدم mIRC و أبلغني حينها بوجود عرب في غرف محادثة من خلال البرنامج ويقومون بالمحادثة.

indexlogo

فعلاً ، فقد قضيت ذلك الصيف في الدخول إلى برنامج mIRC  و التحادث مع الغرباء في تجربة غريبه بالنسبة لي ، كان يتم التسجيل بأسماء إنجليزيه ومن ثم تبدأ بعدها التحادث مع الأخرين تحت أسماء مستعارة ، كان الحضور ضعيفاً ولكن كانت تجربة ونقله كبيره بالمقارنة مع وسائل الترفيه في ذلك الوقت ، كنت أقضي ساعات طويلة في خوض مغامرة التواصل مع الغرباء مع الانترنت ، فقد فكانت تجربة غريبه بالكامل ، لم يكن لي أي هدف حينها ، وكنت أعتقد أن الانترنت هو هكذا سيكون بعض المواقع الانجليزية وبرنامج المحادثة وكفى.

U98uhiopjntii8u9tled.png

موقع أفضل مئة موقع عربي

U98uhiopjntitled.png

أفضل مئة موقع عربي

حتى جاء موقع أفضل مئة موقع عربي http://www.arank.com ، لازلت أتذكر أحرف الرابط بسبب كثرة كتابتي له ، حيث فتح لي أبواب عديدة من المواقع التي مكنتني رؤية التفاعل عبر المواقع لأول مره ، كان شيئاً كبيراً في وقتها ربما الآن يضحك من يقرأ التدوينة ولكن من عاش تلك الإيام وقارنها الآن سيفهم الشعور وكمية السعادة التي كانت تحاصرني عند دخولي لهذه المواقع ، أعتقد في ذلك الوقت كانت عمليات البحث في محرك ياهو للغه الانجليزية حيث كنا لا نستطيع معرفة موقع عربي ما إلا عبر الحديث مع الأصدقاء المهتمين بالانترنت في ذلك الوقت ، وكنت أتذكر أنني كنت أكتب أسماء المواقع في أوراق صغيره حتى أضعها في جيبي و أفتحها عندما تحين لي فرصة الدخول إلى الانترنت ، أو عبر موقع أفضل مئة موقع عربي ، حيث كنت بشكل يومي أدخل و أقرأ في المواقع التي يضعها ، لك أن تتخيل ان الموقع في بداياته لم يكن حتى فيه 100 مئة موقع عربي ، بمعنى أن الانترنت كان ضحلاً باللغة العربيه ولا يوجد فيه ما يزيد عن مئة موقع عربي ، مقارنة بالآن هناك مئات الالاف من المواقع العربيه و أعتقد أنه لازال الرقم ضعيفاً في الوقت الراهن.

U98uhiopjntiijkhlkj8u9tled.png

كان بعض الاصدقاء يفضل موقع دليل الردادي وكنت أختلف معهم كثيراً ونتجادل ، شيء مضحك أن تتذكر هذا الآن ولكن بعدها بدأ خفوت في التواصل لدي مع الإنترنت ومرده الملل الذي اصابني من المواقع العربيه و التكرار في المعلومات في ما بينها وتناقل الصور و أصبحت أرى نفسي أن وقتي يضيع ، بالرغم من أفتتاح شات موقعي الشلة و الود في عام 2002 م ، وتهافت مستخدمين الإنترنت عبره ، فقد كان بالنسبة تجربة قديمة و أنتهت من خلال برنامج mIRC ولا أريد تكرارها مجدداً لعدم وجود فائدة بالنسبة لي ، لذلك لم أحاول حتى ركوب الموجة ، فقد كنت بعيداً عنها و أكتفيت بالدخول لعالم الموسيقى عبر الإنترنت من بعض المواقع التي بدأت في وضع أغاني ريمكس لأول مره ، حيث كانت تجربة إيضاً غريبه أن تسمع ذلك التمارج من الأغاني في عام 2002 م ، ولكن في عام 2002م حدث تغيير كبير لإستخدامي للإنترنت عندما وقعت مصادفة على موقع الإقلاع.

screenshot- 2016-03-16 05-41-54

منتدى ساحة الأقلاع الرئيسية كما كانت تبدو في عام 2000 م

screenshot2016-03-16 06-00-26.png

منتدى العمريات و أول مشاركاتي كانت من خلاله في عام 2001 م

كان أول عمل أقوم به هو التسجيل منتدى الإقلاع و أصبحت قاريء لكل المواضيع المتداولة بين الناس ، تجربة التواصل الأجتماعي في باكورته كانت في إعتقادي هي عبر المنتديات ، وكان الإقلاع أنموذجاً سار عليه الكثير من المنتديات بعدها حتى أصبح عددها ينافس عدد مستخدمين الإنترنت أنفسهم ، حتى أن بعضهم يقرر فتح منتدى و لا يكون هناك غيره من يشارك ، لذلك كانت حياة المنتديات صعبه و قاسية على أصحابها و مشاكلها الإدارية ، و أصبحت الخلافات في الرأي بين الأعضاء هي من الدافع الرئيس لإنشاء منتديات أخرى حتى يرتحلون لها ، فكانت الإنقسامات تتوالى و المنتديات تتوالد ، كانت الفترة من عام 2002 إلى نهاية عام 2007 هي فترة رواج و إزدهار لثقافة المنتديات ، لم تخفو إلى مع أولى صيحات مواقع التواصل الإجتماعيه بشكلها الجديد والتي أستطاعت سحب البساط منها وجذب أهتمام غالبية مجتمع مستخدمين الإنترنت ..

screenshot 2016-03-16 06-50-56

موقع الود كما يبدو في عام 2001 رابط موقع الود

screenshot2016-03-16 06-46-32

موقع الشلة كما يبدو عام 2001 رابط موقع الشلة

أتى عام 2006 م بالنسبة لي بمحاولة التجربة للتدوين ، كانت المحاولات بإنشاء موقع يضمني أنا وبعض الأصدقاء ونتشارك التدوين ، كانت فكرتي السائدة ورغبتي في البقاء متصلاً مع أصدقائي وأن يكون التدوين هو نهر التواصل بيننا رغم الفراق وتباعدنا في الدول ، حاولت من خلال منصة التدوين وورد بريس ولكن أتضح انه لا يمكن إنشاء مدونة مع عدة مستخدمين أو كتاب في ذلك الوقت ، لذلك قررت تغيير الفكرة ، نصحني أحد أصدقائي بال facebook ولكن باءت محاولة تسجيلي بالفشل بسبب أن الموقع لا يتيح التسجيل إلا في بلدان أمريكا و بريطانيا و يجب أن تكون طالباً سابقاً على الأقل ، ثم أتى بعدها في عام 2007 م موقع netlog وكان التسجيل متاحاً به على عكس الفيسبوك ، ولكن لم يعجبني بعد تجربتي له لعدة أيام رغم محاولات أصدقائي بالمكوث فيه والتواصل عبره ، فأصبحت بعدها مجرد حالم يستلقي بين صفحات الإنترنت و أتخفى بإسماء كثيره قد نسيت بعضها ، كنت على سبيل المثال أشارك في ساحات منتديات الأديان و أتجادل معهم ، و في منتديات الفنانين الغربيين كانت لي أراء مختلفة جعلت أكثر من صاحب منتدى أن يقرر بحذف معرفي أو على الأقل بإيقافي عن المشاركة ، كانت فترة مزدهره ببحثي عن النقاش مع الأخرين ، ومن أجل ذلك كنت أضطر بتغيير أسم معرفي كل مره أقوم بالتسجيل في منتدى ، بقيت على هذا الحال حتى عام 2009 م ، فبقيت ذلك العام مجرداً من كل شيء ، لا شأن لي في الإنترنت ، قضيت معظم العام في الاغاني الكلاسيكية أستمع لها و كأني أتلذذ بالحلوى ، مع الكثير من القراءة الجانبية ، حتى قررت في أواخر عام 2009 م بإنشاء المدونة وحتى لو كنت لوحدي دون تواصل مع الاخرين ، قررت أعيش رحلتي الخاصة بعد سنوات من كمية الاصدقاء الذين كنت أملكهم على أرض الواقع ورغبتي بالوفاء لهم وكنت أعتقد أنه من الخطأ الكتابه في مكان لا يكتبون أراءهم فيه و يمكنهم أن يقرؤوه ، فالكتابه كانت و لازالت لدي شيء مقدس و أرغب بإصدقائي بمشاركتي فيه ، حتى توصلت لقناعة أنني سأكتب لوحدي دون غيري ، وعلاوة على ذلك قررت أن لا أخبر أحداً بذلك ..

screenshot2016-03-17 06-33-35

المدونة الحالية كما تبدو لأول مره في شهر يناير من عام 2010 م

عندما بدأت بالتدوين كانت لدي أخطاء قاتلة ، من أهمها هو أعتمادي على أستضافة عربية ، مما سببت لي مشاكل عدة من أهمها الصداع و الجهد المهدر بسبب المخترقين الذين كانوا يستغلون ضعف حماية السيرفرات العربيه ، فكانت الأختراقات تأتي عبرهم ، فكان ذلك يسبب لي جهد في إصلاح المدونة بعد تخريب المخترقين ، حتى قررت العودة إلى http://www.wordpress.com ونقل مدونتي إليها ، وبعدها بدأت أشعر بالراحة والآمان ، بالطبع توجد العديد من الإستضافات الأجنبيه الممتازه والتي حققت لي الآمان لفترة أعتبرها أنتقاليه ولكن وجدت أن أستخدامي وإحتياجي يكفي عبر http://www.wordpress.com لذلك قررت العودة رغم بعض المحدودية في الإمكانيات .

فقد كان عام 2010 م هو بداية التدوين المنفرد في هذه المدونة حيث وجدت راحتي من خلال الكتابة و الإدارة الشخصيه ، مما عطاني قدر كبير من الحريه و الإستقلال و الكتابة بشكل حر ، أسير بشكل متقلب في جميع الإتجاهات ، شعر أو أفلام أو أراء أصيغها في مقالات ، أو أراء و نصائح حول كتب معينه .

توالت الأعوام بعدها وبدأت الظاهره المحمومة من المواقع الاجتماعية مثل تويتر و فيسبوك و إنستغرام في محاولة جذب أكبر عدد من المستخدمين تحت مظلتها ، لم تشدني و السبب أنها نسخه هزيلة من حوارات المنتديات القديمة والتي تحدثت عنها في بداية التدوينه ، مع فارق الرقي للمنتديات بالطبع ، حيث ظهرت من خلال المواقع الاجتماعية الكثير من الجوانب السيئة من غير إمكانية وضع قيود ، لذلك أصبح طرح الاراء عبرها كمن يلقي بكورة من القش في لهيب مشتعل ، فالأراء تلتهم في لحظات منذ خروجها ، لذلك أحببت البقاء في المدونة والتي لا زلت أسميها بيني وبين نفسي بـ ( صومعتي ) حيث أتنسك لوحدي بالكتابة عبر الإنترنت كما بدأت بـ mIRC  والتحدث مع الاخرين ! ولكن في هذه المرحلة الاخيرة وجدت أن هذا الأسلوب بالتحدث عبر التدوين هو الأنسب لي بعد تلك السنين الطويلة من التجارب ، والسبب الوحيد هو أنني الملك الأوحد في هذه الأرض المقدسة بالنسبة لي ، فأنا الأمر الناهي في هذا البلاط الملكي.

فأنا هُنا أعيش الحضور و أعيش الغياب ، و أطلق ثوراتي في كل إتجاه !

 


   * كتبت في يوم الخميس 8 جمادي الآخره من عام 1437هـ – 17 مارس من عام 2016 مـ .