الكتابة هي الحفظ ، و القراءة هي الإسترجاع ،  يقول عبدالله الغذامي إن عملية القراءة تكون برؤية القاريء ، لا تكون أبداً برؤية الكاتب كما يتوقعها الكثير ! ، فأنني اذا قرأت ما كتبت بعد حين فإنها تكون حسب رؤيتي الجديدة و لربما أكتشفت مالم أكن أقصده عندما كتبته ، و لكن فإن كل قاريء منا وحتى ولو كان الكاتب نفسه يقوم بقراءة نصوصه و كتابته فإنه يقوم بقراءته بفهمه الجديد بعد زمن و تتشكل أمامه معاني جديده ربما لم يكن يدركها حتى حين كان يكتبها ! ، لذلك فإن الكتابة ليست كالقراءة ، لإن القراءة متغيرة و متجددة و تبقى الكتابة ثابته جامدة لا تتحرك ، نختلف في قراءتها حتى مع أنفسنا ، ولكن الكتابة تبقى كما هي لا تتغير ، نحن من نتغير مع القراءة ، فهي حالة متغيرة مرتبطة بالحركة القرائية للقاريء.

chickenegg1

ليلة البارحه في الإذاعة كان المذيع يقوم بسؤال المستمع ، أيهما أتى أولاً هل هي الدجاجة أم البيضة ؟ ، في لحظتها بدأت أستعير هذا السؤال القديم وجعله حسب فكري الذي يلوج هذه الإيام في رأسي ،  أيهما تكوّن و قد تشكل فيني أولاً ؟ هل أنا أتيت كاتب أم قاريء أولا ؟  أيهما أنا أولاً ؟ جدلية بيزنطية كثيراً ما كانت تثير أهتمامي ، أتصدق ؟ أظنني كنت أكتب قبل أن أقرأ ! ، لابد بوجود ذلك الشيء الذي أتى معي مع الولادة كالمشي و القفز ، ذلك الشيء المحفز على الكتابة قبل أن أبدأ بالقراءة بجميع أنواعها ، شيء غريب كنت قد تجادلت مع الكثير حوله ، هذا الشيء الذي يضع تصرفاتنا و أفكار لنا بشكل مسبق قبل أن نخرج حتى من العدم ، لذلك أجد طاقة من التفكير الكبيرة التي تقدح و تشتعل عند بداية كل لحظة أهم بها عند الكتابة ، حتى عندما أقوم بالقراءة أجد يدي تُستفز على الكتابة وتنجذب مباشرة إلى القلم أو لوحة المفاتيح ، فهي تأخذني للحظات مبهجة ومريعة في نفس الوقت ، لذلك أجدني1-BILL_SIENKIEWICZ-BATMAN مطيع بشكل مخيف لسيادة رغبة الكتابة بداخلي ، حيث لا تهدأ الأمواج الفكرية المتلاطمة بداخل رأسي حتى أبدأ بالكتابة فتبدأ بالهدوء ، على سبيل المثال أقول أني بدأت بالكتابة عن الحب لسنوات طويلة قبل أن يكون لدي حب ! ، كل هذا لمجرد الكتابة ، كانت هي مراهقتي المبجلة والتي ربما أكشف عن هويتها لأول مره ، ولذلك في هذا العام سأبدأ بكشف ذاتي و رغباتي الحقيقيه بعد ( 2015 ، الهدوء و العزلة ! ) ، سأنزع أعواماً كنت أختبأ في حيائي و خجلي ، سأنزع أسمي الوحيد يزيد ، و أكمل كشف أجزاء مني كانت مخفية ، ربما كنت نسخة باتمان الرجل الخفاش الكرتونية ولكن أنا في إتجاه الكتابة ، التخفي كان بسبب الكتابة ومن تحريضها القاتل ، لطالما كنت ألعنها دوماً خوفاً من بطشها ، كنت أخاف على تفآريقي منها ، كنت أخاف على أجزائي منها ، كنت أخاف من عصا الساحر ، أقصد هذا القلم ، كنت أحاول الإبتعاد عنه في كتاباتي ، لربما كنت أنكره و أجحد علاقتي به و أعلن براءتي من أي نقطة فيه ، ’’ لم أمس هذا الخط و لا تربطني به أي علاقة و لأول مرة أرى هذه التعويذات التي تسمى بالكتابة  ‘‘ هذا الصوت الذي لطالما كنت أسمعه داخل رأسي خلال السنين الطويلة الماضية ، كان يتملكني ذلك الجحود لما كنت أكتبه ، فكان الحل في وجهة نظري الكتابة بإسمي الأول دون أي إشارة مباشرة لي ، كنت أشعر بالراحه ولكن في نفس الوقت كنت أشعر بالنكران الذي يملؤني بكل إنعكاسات التناقض الذي أختزل فيه أفكاري حتى تتناسق ، ذلك التدرج اللوني الصارخ بين شدة البياض و شدة السواد والذي يتمثل أمام عيني بخطوط سوداء ترتسم شامخة في صفحات بيضاء ، مجرد وجود اللون الاسود هي تهمة جاهزة مقدمة للأخرين لإتهام الكاتب بالسواد ، بالضلال ، بالضياع ، لا يهم ما يقول ، فـ أنا سأكتب ..

’’ أنا بالكتابة أكون أو لا أكون ! ‘‘