
أبسط رغباتي الطفولية في أن أكون مجيداً في الكتابة ، أريد الحروف أن تراقص أصابعي ، و أن تتغني السّكنات في راحة يدي ، لا أعلم سر هذه الرغبة الداخلية التي تجتاحني مع الكتابة ، فأنا خلقت هكذا ، بلا سؤال أو جدال لو سمحت أيها القاريء ، فأنا لا أدري ما حقيقة الأمر الذي يجري بداخلي أثناء عملية توالد الكتابة بداخلي ، فهي حالة لا شعورية محضة ، ألفظها من أحشائي هكذا بين الأوراق دون معمارية مهندس أو جراحة طبيب !!
أعلم انني تأخرت في كتابة تدوينة عن آخر تطورات ( مشروع كتاب ) المنتظر والذي قررت أن أعمل عليه هذا العام و الذي من المخطط إصداره مشارف نهاية هذا العام ، و يعود سبب التأخر لحالة التشتت ( الكتابية ) التي حصلت لي خلال الفترة الماضية ، حيث أصبحت في هالة لم أعتد عليها ، زادت حساسيتي بسبب الكتابة ، لمستويات لم أتوقع لجسدي الصغير أن يصل لها طيلة حياتي ، رغم سماعي كثيراً من الكتاب عن حالة الحساسية التي تصيبهم ، لم أكن أتوقع أن تكون حالي بحيث صار سمعي و كأنه قمر صناعي يحلق في الفضاء و مسلطة على كل الأرض ترقبها ، و عيني كأنها شمس تصدر ضوءاً تريد أن تمحو عبثاً ظلام كل الأرض ، و جلدي كأنه سطح قمر ترتسم عليها أقدام رجال الفضاء ولا تندثر بسبب إنعدام الهواء ، أما الجاذبية للأشياء حولي فحدث ولا حرج فهي تعيش في حالة تنافر تام ، أصبحت أرى أعمدة النور في الشوارع و كأنها تتزاوج ، و الشوارع كأنها شيطان أكبر يريد أن يفرقها ! ، حالة كبرى من الإنغماس أصابتني مع الكتاب مما تسببت بزيادة الحساسية لدي حول الأشياء حتى أصبحت لمن يراني و كأنني شخص لا أحس بشيء آخر أو حتى لا يتنفس ، فالهواء يكاد ينقطع عن رئتي بسبب أفكاري المتزاحمة ، لذلك أحاول رفع أطراف أصابع قدمي عن الأرض حتى أتمكن من رفع رأسي بين هذه الأكوام الفكرية التي تحيط بي ، أريد أن أتنفس ..
قررت البحث عن كتاب يساعدني في التركيز في الكتابة ، رغم قراءتي مؤخراً كثيراً للكتب التي من هذا الشأن ، لكني وجدت هذا الكتاب مميزاً بفكرة الكتابة في الصباح الباكر والتي في حقيقة الأمر أدهشتني ، ربما تناسبني بشكل أكثر في التواصل مع ذاتي والمعروفة منذ زمن بمحبتها للصباح ، ربما هذا ما يجعلني أكتب عن النور في كتاباتي الغزلية كثيراً ، ( إحدى تفسيرات الترميز في الكتابة لدي ) ، عموماً فأنا لا أريد الخروج بهذه التدوينة عن موضوعي الرئيسي عن الكتابة ، فكما يقول الكاتب في كتابه ( أعجوبة الصباح للكُتاب ) : أن العالم يعيش في منطقة كبيرة من الراحة ، الكاتب الجيد هو الذي يأخذنا خارجها ، ليرينا شيئاً جديد كان بداخلها ولم نراه بسبب حالة الراحة ( وتأتي بمعنى حالة الأسى و العزاء ) ، و لذلك كنت أشعر بحالة الراحة والسكون دائماً في أوقات الصباح ، و في الكتاب هذا الذي يدور عن سر الكتابة في الصباح ، و كأن الكاتب قام بإخراجي قسراً من مناطق الراحة وجعلني أكتشف شيئاً جديداً كان بداخلي ولم أراه بفعل حالة السكون التي أعيشها ، هنا توصلت لمعنى الكتابة الحقيقيه في أن يكون دوره في تسليط الضوء لمعاني قديمة و خفية ، و أما عن الكتابة في الصباح فيقول : سر كتابتي يعود إلى أنه في كل صباح أبدأ به بأول فعل وهو ان أستيقظ مبكراً ثم أمارس هواياتي وبعدها أشعل حاسوبي حتى يكون جاهزاً لنشر أفكاري مع الأخرين ، بدون أن أشعر بالنعاس أو الخمول و الفضل لذلك يعود لإنه الصباح العجيب !
عن نفسي فأنا دائماً ما كنت أكتب خلال الساعات المتأخرة من الليل ، وكنت حينها أستمتع بذلك ، بل أستلذ بها ، حيث كان ألتزام يومي بأن أعود مبكراً و أبدأ بالكتابة مع ساعة منتصف الليل الثانية عشر ، وبعد أنتهائي أقوم بالقراءة الليلية ، و تستمر القراءة حتى في أول لحظات أستيقاظي من النوم ، لإن الكتاب يسقط بجانبي مع أول لحظات دخولي عالم النوم فألتقطه و أكمل قراءتي ، فأنا كنت لا أستطيع إن أكتب في الصباح و إن حدث أن كتبت فإنه يبدأ شعور الأستغراب يدب من يدي حتى ينتشر لباقي جسدي فيجعلني أتوقف بعد لحظات من بداية الكتابة ، و بعد أكتشافي لهذا الكتاب اللطيف و قراءتي لأفكاره التي يثيرها من خلال الكتاب ، ففهمت بعدها أن جسدي في الليل أعتاد مع الكتابة ، و أنه بسبب ذلك يستنكر حالة النور في الصباح ، و أنا الذي دوماً كنت أبحث عن النور في الليل ، ولكن الآن فالذي يحدث هو أن جسدي لا يستوعب أنه يرى النور حوله بدلاً من الظلام في لحظة الكتابة ، حيث سابقاً كنت أشعل نيران الكتابة في أوراقي لتنير صدري في الظلام ، أما الآن فالنور يحيط بي و يغلف أرجاء المكان ، كانت تبدو حالة غريبة تصادمية بين الواقع و الخيال الذي أعيشه مع الكتابة ، جعلتني لفترة ليست بالبسيطه وأنا في حالة متذبذة لرغبة تجربة الكتابة في عالم النور ، في عالم تشرق فيه الشمس بدلاً من القمر ، و فيه كل شيء واضح لا يحتاج للكتابة من أجل التوضيح ، فهذا تماماً ما كنت أشعر به سابقاً ولكن الآن مع فكرة منطقة الراحة ( وهي عالم الظلام و الليل ) والخروج منها تبدو مثيره ، فهي جعلتني أعيد فلسفتي القديمة حول الكتابة المسائية ، وتدعوني بكل شغف لتجربة هذا العالم المضيء و الجديد بالنسبة لي ، لذلك ستكون عادتي الكتابية الجديدة هي الكتابة في الصباح العجيب.
و كل عام و أنتم بأتمّ خير و عافية 🌹❤
Tagged: 2016, مشروع كتاب, الكتابة, الحياة الزوجية, تأليف كتاب
سنجرب الكتابة في الصباح العجيب، أسلوب مُمتاز في طرح موضوع كهذا، إستمتعت بالقراءة وبانتظار مولودك الأدبي.
إعجابLiked by 2 people
في آخر شهرين بدأت تجربة الكتابة في الصباح ، وشكراً لك على أنتظارك.
إعجابLiked by 1 person
دائما يكون الصباح عامل ساعد علي التركيز كثير من الكتاب والمفكرين حيث الهدوء والسكينة مايجعل الفكر مركز في الموضوع المراد تحريره. .
إعجابLiked by 1 person
كنت أعتقد عكس ذلك ، و بسبب الكتاب قمت بتغيير أستراتيجيتي في الكتابة بجعلها صباحاً ، شكراً لك يا صديقي.
إعجابإعجاب
اتمنى لك التوفيق في كتابتك .. ولكني اعتقد ان الكتابة لاتخضع لقاعدة معينة كـ”الحب”
كل يمارسها بالطريقة التي تريحه اكثر وتجعله يخرج أفضل ما عنده .. وهذا لا يعني اني لا احب الصباح، انا أم ، لهذا فالوقت المناسب بالنسبة لي هو الوقت الذي ينام فيه صغاري ومازال لدي فيه بعض طاقة، ايا كان ذلك الوقت 🙂
انصحك بقراءة “لماذا نكتب؟” لميريديث ماران
https://www.goodreads.com/book/photo/22602419
تحياتي
إعجابLiked by 2 people
علاقتي مع الكتابة هي حب مفرط ، بغض النظر عن ما يظنه الآخرون حول الكتابة كـ مصدر للمال مثلاً أو الشهره فقط ، فهي حالة أرتباط نفسي لا مسوغ و تفسير لها سوى الحب ، هذا على الأقل ما أظنه حالياً.
وشكراً لك على نصيحتك ، سوف أقرأ الكتاب قريباً بإذن الله.
إعجابLiked by 2 people
بالنسبة لي أشعر بأن كل كتابة لها وقتها، كما لكل كتابٍ نقرؤه وقت. بالنسبه لي الصباح للذي أحتاج له التركيز و دراسة و تحليل و تركيب، أما الليل فهو للمشاعر✨
إعجابإعجاب
بالنسبة لي فإنني أشعر بتدفق الإلهام بشكل خارق حال استيقاظي من النوم، بالذات إذا لم أتأخر في النوم أو كان هناك شيء ينتظرني إذا استيقظت، باختصار فإن الصباح والهدوء والقهوة تفجر مشاعري نحو المزيد من الإنتاج، لذلك فأتفق مع الكتاب الذي ذكرته، الصبح شيء بكر ومتجدد ويلهمني في أن أبذره بكل شيء ممكن.
إعجابإعجاب