لازلت أظن أن أعظم إنجازاتي منذ دخولي إلى الإنترنت ، هي هذه المدونة ، لطالما أعتبرتها صومعتي التي أتحنث بها وهي في ذات الوقت منبري ، حيث أعيش فيها بعيداً عن خطايا الحياة ، وأنثر فيها أفكار عقلي ومشاعر قلبي ، دون شعور بالوجل ، هي مشاعر من الصعب أن تقال في مجتمع بدوي رغم ما يدعيه من التمدن ، فلا زلنا وراء أسوار العيب التي نحتجب خلفها التي جعلت من أفكارنا دفينة الصدر ، لا تكاد أن تظهر حتى تقمع من الأخرين في المجتمع ، سواء كان ذلك بقصد أو بدونه ، فقد أعتادوا على هذه التصرفات حتى أصبحت طبائع فيهم ، لا يعي أحد منهم ما يقوم به من دمار للأخر !

لذلك كانت الكتابة في مجتمعنا وأنت مجهول التعريف ، أكثر رحابة وتقبلاً من كونك ذا كيان يتم تعريفه بإسم شخصي وله بطاقة مدنية ، يتنفس ويشرب ويأكل ،  فهذا أصعب على مجتمعنا من كونك مجهول وتعيش حرية التخفي في الأراء والطرح والمشاعر ..

fg43w2tgw23t3w2t3w2twe3tfg

أذكر مره وأنا في صغري في إحدى المجالس حيث هممت بإستجماع قوتي عندما أردت مقاطعة أحد كبار السن وهو يستدل بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقلت له إن هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي قد قلته ضعيف ، زمجر صاحب المجلس وغضب و أنتفخت أوداجه وهو يقول لي ’’ لا تقاطع الكبار عندما يتحدثون ‘‘ وكان صاحب الحديث المكذوب يقول له ’’ الجيل الجديد لا يفهم كثيراً ‘‘ ، هناك الكثير من المواقف التي تحدث أمامي في المجالس والشارع التي لا أستطيع إضفاء تعليق صغير لتصحيح معلومة عندما يكون الذي أمامي كبيراً في السن ، بل أنني لا أنسى موقفاً آخر لأحد خريجين الكليات الشرعيه وهو يتحدث في مجلس يعج بالرجال عن كراهية قول ’’ أنا ‘‘ ويستدل بالأية القرآنية حيث قال إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: 12]  ، فقلت له معقباً وحتى أبين أن لا أصل في كراهية قول كلمة ’’ أنا ‘‘ وأنه مباح قوله ، فقلت له وما رأيك بهذه الأية ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ ) و الأية ( وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ – سورة الحجر (89) ) ، لم أراه بمثل هذا الغضب أبداً في كلامه ، وكأنه يقول ( وش عرفك ؟ )  وذلك بسبب أنني لم أتخرج من كلية شرعية وهو على العكس من ذلك خريج كلية شرعية ، ولم ينتهي كلامه إلا بتأكيده أن ما قاله صحيح ، لم أعارضه بعدها ولم أفكر بالإستمرار بالتجادل معه ، و للإسف أستمر هذا معي ما أواجهه لفترة حتى في عصر بدايات الإنترنت مع المنتديات ، حيث كنت أحيان كثيرة أتفاجأ بمقالات لي قد حذفت لإنها ببساطه لم تعجب صاحب الموقع ، أو أنها تخالف الرأي العام في المنتدى .. فكانت هذه المدونة التي أعيش بها دون قيود من أحد ، ولا أخفيكم بمراسلات كثيرة تصلني للدعاية أو كتابة تدوينات عن منتجات ومواقع ولكن كنت أرفضها لإني أشعر حينها سأبدأ بتقييد نفسي بما يريده الأخر ، وليس بما أريده أنا ..

فالإضطهاد الفكري لدى المجتمع قيّد حرية التعبير لدى الأفراد وأصبحوا تحت تأثير العيب والخوف من المجتمع فكان دخول الإنترنت هو الكاسر لهذه القيود و هو التحول الكبير الذي حدث ، فجعل لهم متنفس لطرح الأراء وما يجول بالعقل والقلب وأن تتجاوز كل هذه الأجيال الجديدة والمتعلمة مرحلة الخوف من المجتمع ، دون أن تواجه بكلمات مثل : من أي جامعة أنت تخرجت ؟ وكم عمرك ؟  لذلك أصبح من الأسلم أن أكتفي بأسمي الأول وأن لا أشيع أسمي الكامل ، يا ما كنت كثيراً أستخدم مسميات أخرى في منتديات أصدقائي حتى لايعرفون من هذا الذي يكتب ، كنت أشعر براحه عندما أرى الكلمة لوحدها هي من تجابه العقول ، بدلاً من وضع أسماء الأشخاص بجانبها ، لطالما كنت أستمع بإنصات لمحاضرات لشتى الناس ، وكنت أقوم بتحليل كلامهم بشكل مجرد دون أحكم عليه بسبب ماهية الشخص ، وأحيان كثيره أحفظ القول دون أن أتذكر من قائلها ! ، لإنني ببساطة لا أهتم بمن قالها ..

ومن يلاحظ فورة التغيير السريع التي حدثت بالمجتمع خلال السنوات الأخيرة ومدى أرتفاع الوعي وحرية الكلام في مواضيع كانت محرمة سابقاً ، حيث أصبح الناس يتدارسون أفكارها عبر مواقع الإنترنت الإجتماعية ، فالكتب أصبحت من السهل تبادلها عبر الأنترنت والإطلاع عليها وقراءة كل ما هو تحت أسوار التقييد ،  مما يسر الطريق إلى التجديد والتطور في التفكير خارج أسوار العادات ، و أصبح  الوعي يصل إلى مستويات عالية وذلك لعدة أسباب أهمها التناقل الرهيب للمعرفة بضغطات زر وإيضاُ أصبح بإمكان الإنسان العربي أن يتخفى عن قيوده المجتمعيه ، وأن يعيش في أفق الحرية التي نفتقدها بداخل أنفسنا بشكل أساسي ، فلم يعد الآن للإنسان عذر كي يبقى جاهلاً أو خائفاً أو حتى يشكك في قدرات نفسه مع هذه الإمكانيات المتوفرة بالإنترنت ،  لم يعد أمامه عائق سوى نفسه و أسوار ذاته ، فمتى ما كسرها ، أصبح له سهلاً تقبل رأي الأخر في المجتمع وأصبح له من الإمكان أن يعلو بعقله بين الناس ، وأن لا يبقى في صفوف الجاهلين و المخدوعين و العاثرين في الحياة !