ربما تكون صناعة النفط من أكثر الصناعات تشويقاً في تاريخ الحضارة البشرية ، وأكثرها تأثيراً على مسار التطور الإنساني ، فتأثيرها أشتمل كل شيء من حولنا ، فنحن ننام و نستيقظ ونجد من حولنا أشياء تعود أصلها من النفط ، قد تندهش كما يندهش الكثيرين عندما أقول لهم أثناء أحتسائنا كوب من القهوه أن ( السكّرين ) الذي نجده في أكياس زهريه وهو السكر المخصص لمرضى السكر كبديلاً عن السكر الطبيعي بإن أصله يعود من البترول ؟ ، تستغرب ملمسه و رقته ولونه الأبيض وطعمه الأكثر حلاوة من السكر الطبيعي بمئات المرات وهو يخرج من مشتقات سائل لزج أسود كريه ، يبدو تأثيره وكأنه سحر ، وكيف رأيه إذا ما سألنا بالذي يعتني بإسنانه ويضع معجون الإسنان عندما يعلم أن أصله يعود إيضاً من النفط و نحن نستخدمه لتنظيف الأسنان مع إشراقة كل صباح ، كم هو مدهش أن ترى تأثير النفط على أسلوب حياتنا الحالي في كل ماهو حولك ، وأن ترى الملابس و الأسفنج وأجزاء السيارات والسرير وهي تتكون في أجزاء كثير منها من النفط ، بل حتى العدسات اللاصقة هي في الحقيقة من النفط ، فنحن إيضاً نرى بمساعدة النفط ! ، لم يكن إطلاق أسم الذهب الأسود عبثياً عليه ، ولم يكن مستوى معرفتنا لفوائد البترول حتى القرن التاسع عشر ، رغم إن معرفة الإنسان بالزيت لم تكن وليدة مؤخراً ، بل يعرفها منذ أمد أبد وعلاقته به تمتد منذ أكثر من ثلاثة ألاف سنة ، فقد أستخدمه الفراعنة في مواد التحنيط ، وأستخدم البابليون مادة الأسفلت ( الزفت ) في بلاد الرافدين لتمهيد الطرق في المدن من خلال وضع الحجارة مع الزفت حتى يلتصق ويكون سطحاً ثابتاً للطرق ، بل إن مصطلح نفط كان متواجداً في كتب علماء المسلمين مثل الرازي و أبو الحسن المسعودي ومنه تم تسميته عربياً بالنفط بدلاً من بترول وإن أختلف في مصدر التسمية من أين أتت ، وكانت لهم محاولات لإنتاج زيت لإضاءة المصابيح عبر الإنبيق ، ولكن رغم معرفة الإنسان به قديماً فإنه لم يستثمر تجارياً حتى بدايات ظهور الثورة الصناعية الإمريكية وظهور عراب الصناعة النفطيه وبادئها روك فيلر ، فقد كان جوابه ذكياً عندما سأل كيف يصبح الناس أغنياء ، أجاب ببساطة رقيقة ’’ بعضهم وجدوا النفط وبعضهم لا ‘‘ ، إن تأثير النفط كان هو أقوى النقاط المحورية في تحول التاريخ وسبب الثورة الهائلة التي يعيشها الإنسان وأصبح بفضل قوة البترول ينطلق الصاروخ إلى المريخ والقمر ..

o2098213

صورة تبين حضور الملك سلمان بمعرض الزيت الذي نظمته أرامكو في خمسينات القرن الماضي

 

ونحن العرب وهبنا الله هذه الثروة العظيمة التي تقبع تحت أراضينا أبتداء من الجزائر و وصولاً إلى سواحل عمان ، لذلك أحببت أن أتحدث من خلال سلسلة تدوينات عن إقتصاد صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات والكيميائيات المتخصصة وشرحها بشكل مبسط للقارئ العربي حتى يتعلم مالذي يحدث في هذه الصناعة الصعبة والمجهولة لدى الكثيرين ، هي نتاج معرفي أحببت أن أنشره للجميع حتى يستفيد عن خفايا هذه الصناعة المهمة لنا ..


ولكي نتلمس قوة البترول ومدى تأثيره على العالم ، فنجد في الحرب العالمية الثانية كيف كانت أهم أسباب خسارة الألمان هذه الحرب الا وهي نقصان إمدادات الوقود لدباباته ومركبات الجنود ، مما جعل هتلر يأمر الجنرال إروين رومل أو ما يلقب بثعلب الصحراء بالإستيلاء على منابع النفط في الشمال الإفريقي ، ونجد اليابان إيضا قررت هي الأخرى أجتياح اندونيسيا وهي البلد المسلم الأخر من أجل النفط ، حيث كانت في الحقيقة هي من أكبر عوامل فوز الحلفاء في حربهم ضد اليابان ، مما دفع اليابانيين بعد خسارتهم الحرب العالمية إلى صناعة محركات سيارات إقتصادية في إستهلاكها للوقود ، وذلك بسبب معرفتهم أهمية النفط وبسبب نقص الموارد لديهم ، حيث يتحدث هوندا وهو مؤسس أكبر المصانع اليابانية الشهيرة للسيارات ، حيث يقول أن ما دفعه لإنتاج سيارة هوندا هو لجعل المحرك أكثر إقتصاداً في إستهلاك الوقود ، فقد كان في ذلك الوقت يتم توزيع ما يعادل لتر ونصف فقط لكل مواطن يومياً من الوقود ، فقد كانت معضلة كبيرة للشعب الياباني .. بل إن التهديد بقطع الإمدادات النفطية عن الغرب والذي حدث في السبعينات من دول الأوبك كان هو السبب الحقيقي في تحرر سعر النفط عام 1975م والذي يجهله الكثيرون ، فكانت فوائدة الإقتصاديه لنا عظيمه ، فقد كانت هي البداية الحقيقية لإنطلاق أسعار للنفط حيث يبين الرسم البياني التالي قفزة اسعار النفط بعد التهديد العربي بقطع الإمدادات النفطية.

historic-oil-price-graph

تاريخ سعر برميل البترول

 

 

فأكتشاف إمكانيات النفط وما يمكننا فعله كان هو خلف الثورة الصناعية والإقتصادية القائمة حالياً ، بل أننا نجد مع كل أرتفاع لأسعار النفط يتسق معه إرتفاع في أقتصاد دول العالم جميعها ، وعندما تنخفض أسعار النفط ، فإنه يكون مؤشر لإنخفاض أو ركود إقتصادي ..


السلسلة هذه سوف تستمر بإذن الله لكي تتعرف بشكل شامل ومختصر عن إقتصاد النفط والبتروكيماويات في عدة تدوينات قادمة.