إضاءة في تاريخ النفط

حوت العنبر

قد لا تصدق لو قلت لك أن هذا المخلوق البحري في الصورة السابقة كان هو مصدر إضاءة المنازل في زمن سابق ، كان بمثابة المنجم النفيس ، حينها كان يستخرج منه زيت يستخدم لإشعال مصابيح المنازل ، وللمعلومية فإن أضاءة زيته أقوى و أكثر محافظة للبيئة من المستخرج من النفط ، ولم يتوقف على الحوت كمصدر حيواني فحتى الخنزير و الزيت المستخلص من شحمه كان يستخدم للإضاءة في المنازل.

مصباح كيروسين من النفط حالياً وبجانبه مصباح من حوت العنبر سابقاً

في أزمنه سابقة كانت السفن البخارية وهي تعبر البحار،  و صورة القطارات وهي تخترق الصحاري تبدو أعجوبة ماثلة للناس وعلامة تدل عن مدى تقدم و أزدهار الدول  ، وكانت حينها تستعرض قوتها العسكرية من خلال سرعة حركة أسطولاتها البحرية البخارية والتي كانت تعمل حينذاك بالفحم كمصدر رئيس للطاقة ، فقد كان الأعتماد على الفحم كبيراً قبل أن يكتشف الإنسان قدرات النفط  ، لذلك كانت مناجم الفحم في أوج أزدهارها ، ولكن ما لبثت أن أصطدمت برغبة الإنسان بالمزيد من القوة للمحركات لذلك تحول بسرعة البرق من المحرك البخاري إلى المحركات ذات الإحتراق الداخلي والتي تعتمد على النفط بمشتقاته المختلفة ، ففي الطائرة يستخدم إحدى مشتقات البترول الا وهو الكيروسين و في السيارة نجد المشتق الآخر البنزين وفي السفن يكون الديزل .. ولكن قبل عملية الإشتقاق من النفط نحتاج القيام بعملية تكرير النفط ، وهي ما تسمى بعملية تنقية النفط من الشوائب وجعله صالحاً للإستخدام ، كالماء تماماً عندما نقوم بتصفيته من الشوائب وتنقيته للأستهلاك الأدمي ، فكذلك يحتاج النفط لعملية تنقية وهي تسمى التكرير ، وهي الكلمة المرادفة للتنقية وهي تستخدم سابقاً في عملية تنقية زيت الذرة و الصويا وإن كنت أرى أن كلمة تكسير هي أفضل كمعنى كيميائي ، ولكن يبدو أن اللغويون العرب أستخدموا نفس الكلمة التي تتعامل مع عملية تكرير الزيوت النباتية، بسبب أن جميعها تهدف إلى أستخلاص وإبعاد المواد الغير مرغوبة من الزيت.

لون و شكل النفط عند إستخراجه

وأول من توصل إلى عملية تكرير الزيت بشكل تجاري كان هو الأمريكي صامويل مارتن كير حيث قام بتكرير النفط بشكل أولي وقيامه بإستخلاص زيت منه للإضاءة ليكون بديلاً عن زيت الحوت ، وكانت بداية الفكرة له بالصدفة عندما وجد أن هناك الكثير من النفط يخرج من مناجم الملح الخاصة به ، فهو في الحقيقة رجل أعمال وليس كيميائي ، وبعد ذلك قام برمي البترول الذي يخرج إلى النهر القريب من مناجمه ، كان الملح في ذلك الوقت أهم من النفط ، ولم يعلموا مالذي بإمكانه فعله من معجزات ، ولكنه بينما كان يرميه في النهر وجد أنه بسرعه يشتعل ، فقدحت في رأسة فكرة أستثماره بديلاً عن زيت الحوت ، فقام بشكل بدائي ، وبدون أن يتعلم الكيمياء ، بعملية كيميائية بسيطة وبالتعاون مع صيدلي من بنسلفينيا ، فأنتج عبوات زيت المصابيح وكانت تباع بعلب خاصة بها ، وبعد فترة بسيطة أنتج أيضاً جل النفط ( ما يسمى تجارياً حاليا بالفازلين ) ، فكان بسببه نشأة صناعة التكرير في إمريكا وهو من مهد الطريق إلى تطوره من خلال عملياته البسيطة ، ولكنها فعلت قفزات مذهلة نحو هذه المادة المهمة لحياتنا.

رسمة تخيليه صامويل مارتن كير

وهناك قسم آخر يرجع الفضل إلى الصيدلي البولندي إغناسي لوكاسيفيتش ، فالمصادر الأوروبية تقول أنه هو أول من بدأ بإنشاء مصفاة تكرير للنفط في قرية بوبركا البولندية بعكس المصادر الأمريكية التي تقول أنه صامويل ، وأعتقد في رأيي أن لا خلاف في من بدأ الصناعة لإن بداياتهم كانت متقاربة في منتصف القرن التاسع عشر ، وكلاهما كانا في قارتين مختلفتين ، وربما كانت الفرص مواتيه لهما معاً أن يبدأ كل منهما بالبداية الأولى و الإستفادة من النفط.

صورة إغناسي كما تبدو على العملة الوطنيه لبولندا

وللحديث بقية حول النفط والبتروكيماويات ، فنحن لا زلنا بالقشور.

1-ماذا تعرف عن إقتصاد صناعة الغاز والنفط ؟