
يقول راي برادبيري في كتابه الزن في الكتابة و المترجم عبر مجموعة تكوّين :
لقد تعلمت في رحلاتي ، أنني إذا سمحت بمرور يوم من غير كتابة ، سأكتب مرتبكاً ، بعد يومين سأتعرض للأرتجاف ، بعد ثلاثة أيام سأكون مشتبهاً بالعته ، أربعة أيام وقد أتحول لخنزير ، يتمرّغ في الوحل.
إن ساعة من الكتابة هي ساعة منعشة ، أنها تجعلني أقف على قدميّ ، أركض في دوائر ، و أصرخ طالباً زوجاً نظيفاً من الأحذية.
كنت أقرأ النص السابق بالطائرة بينما تعبر بلدان لا يمكنني رؤيتها وذلك بسبب مكان مقعدي الذي كان بعيداً عن النافذة قبل أن نصل إلى مطار هيثرو و نغير الطائرة الذاهبة إلى مطار شارل ديغول ، و أيضاً نغير مكان مقعدي ليكون مطلاً على النافذة ، عموماً فأنا أقرأ هذا الكتاب للمرة الثانية ، ووقع أختياري عليه بسبب رغبتي بكتاب تحفيزي يسقيني طاقة أحتاج أن أستمدها أثناء ساعات جلوسي مجبراً على مقعد دون أمكانية التحرك ، لذلك أحتجت التحرك قليلاً عبر القراءة ، بأن أقطع مسافات بداخل قلبي المحب للكتابة ، فالنص السابق علق في ذهني أيام رحلتي هذه التي لم تنقضي إلى الآن ، وقررت أن أقفل عائداً إلى الغرفة وأبدأ بالكتابة كي لا أبتعد عنه بعد أمضائي لحظات الغروب وأنا أشرب كأساً من الشاهي مملوءاً بأوراق النعناع المغربي ، أستغربت شكلي تلك العجوز التي توقفت عندها بمجرد رؤيتي لأوراق النعناع وهي تقف باسقة بجانب ثلاجة الشاهي ، أستغربت لهجتي وطريقة كلامي ، بادرتني بالسؤال ، من دبي ؟ ، قلت لا من مكة المكرمة ، كانت تبدي دهشتها من رؤية أحداً من مكة يسير على شواطيء مارسيليا ، أما عنّي فلم أدهش بسبب عدم رؤيتي حتى الآن سائحاً خليجياً في هذه المدينة الساحرة ، كان ذلك واضحاً في شوارعها المليئة بجميع الجنسيات ولكن يندر أن ترى تلك السحنة و الملامح الخليجية التي لا تخطئها أي عين تمرّست بسنين من الخبرة بأشكال و أوصاف الخليجيين ، أمضيت بعض من الدقائق بالحديث معها عن الحج وعن أصولها المنقسمة بين الجزائر و المغرب حتى داهمتني تلك اللحظة الذهبية التي كنت أنتظرها طوال اليوم ، أعتذرت منها بعد أن أخرجت كميرتي لأذهب لألتقاط الصورة قبل أن تفوتني اللحظة ..

أكثر شيء لاحظته و كرهته هو سرعة سقوط الشمس في البحر ، حيث أكاد أمسك بخيوط اللون الأحمر في الشفق إلا وتنساب من يدي في لحظات معدودة! بعكس مدينة جدة.