12.jpg

هذا السؤال تم توجيهه لي بشكل متكرر خلال الفترة الماضية إما عبر التعليقات وإما عبر الرسائل البريدية من خلال المدونة .. و للإجابة عليه قمت بكتابة هذه التدوينة لتكون سراجاً مضيئاً ينير طريق كل من يرغب بكتابة كتابه الأول ..

عن نفسي عندما بدأت بالكتابة لأول كتاب لي ، استغرق مني جهداً مبذولاً ووقتاً مقطوعاً لو استغرقته في مشروع تجاري خاص بي لربما حققت مبلغاً كبيراً ، ولكن لم تكن الرغبة بالنسبة لي هي للمال أو حتى بدافع الشهرة المبتذلة أو الفارغة ، فأنا لا أملك حساباً في برنامج السناب شات ولست حريصاً بالتواجد أمام الناس لكي يراني بلا فائدة ، هذا ما تعلمته خلال المدونة منذ سبعة أعوام و أكتشفته في نفسي ، التدوين علمني أشياء كثيرة ، فأنا لا أضغط زر النشر إلا عندما اشعر بالفائدة فيما كتبت ، وهذا ما سوف تشعره أثناء كتابة كتابك الخاص ، عندما تبدأ الكتاب سوف تكون وحدك لتواجه أحتياجك الشديد إلى الأفكار في عقلك و اجتياح المعاني في قلبك و صمت الروح الذي يسكن بداخلك والبياض الذي تراه يحتل صفحات كتابك ، صوت قلمك سيمزق سكون الصفحات ، وسوف تشعر بتدفق أمواجاً هائجة من رأسك إلى أن تصل إلى شواطئ الصفحات ، تحتاج منك حينها أن تقف متزناً كي لا تنقلب الصفحات على رأسك مثل قارب يواجه الاعاصير ، لهذا سوف تحتاج إلى بعض المهارات وبعض التنظيم قبل أن تشرع في دفة الكتابة بكتابك الأول ، عن نفسي بدأت بقراءة كتب باللغة الانجليزية حول نصائح لكتابة الكتب لأنني مسبقاً قد بحثت في الكتب العربية حول كتابة الكتاب ولم أجد إلا كتباً تتحدث عن الكتابة بحد ذاتها ومتجاهله كتابة الكتاب ، كنت أعرف أن كتابة الكتاب شيء مختلف تماماً عن كتابة تدوينات أو ملاحظات بهاتفي الذكي أو مقالات هنا وهناك ،  و ربما كان أول شيء أستطعت ملاحظته و استنتاجه أن الكتاب عبارة عن ’’ جسد ‘‘ ، مكون من رأس وصدر و ساقين ، فتحرص على كونه سليماً بدون نقص في الجسد حتى لا يخرج معاقاً ، ولا تكتفي بالوجود بل تتطلب عملية بناء الجسد على التوازن بالوجود ، عندما ترى جسد إنسان طبيعي أمامك ستفهمه سريعاً ، وهذا الحال ينطبق على الكتاب ، هناك أجزاء تحتاج تركيبها ، المخ و الرقبة و الأكتاف و الصدر إلى أن يكتمل جسد الكتاب ..

PlanningNotebook-NBS-1200x800

لكتابة كتاب هناك أشياء رئيسية تحتاج للنظر إليها :

أ- ما قبل البدء :

0- أسميتها بالصفر لأهمية هذه النصيحة ، وهي كلمتين مختصرة وبسيطة وضعتها بين قوسين ( لا تخف ) .. مهما كنت تشعر بداخلك بالخوف قاوم تلك المشاعر  ، ابدأ بتكوّين حواجز خيالية تمنع تغلغل الخوف إلى داخلك ، أجمل الحلول لدحر الخوف هو الأحلام ، فهي كفيلة للقضاء على الكوابيس التي تسيطر عليك ، أحلم ، وفكر بالحلم في كل وقت حتى لو أحتجت أن تأخذ حلمك معك إلى السرير ، خذه ولا تتركه لحظة ، لاتدع نفسك للكوابيس ، والأحلام سوف تساعدك بتكوين حاجز منيع ضد الخوف. ( إيمانيات خاطئة حول الكتابة )

1- أصنع مكان خاص بك للكتابة ( مكتبي المنزلي ) ( صومعتي ( غرفة الكتابة ) ) ، عندما تدخل هذا المكان الخاص المألوف لديك سوف تصنع طقساً خاصاً بداخلك يحثك على الكتابة ، هناك سر خاص يتعلق بالمكان بداخلنا ، وهذا السر يحدث للكتابة إيضاً ، على سبيل المثال جوان رولينغ مؤلفة هاري بوتر كانت لا تملك ثمن مكان خاص لها بالكتابة في شقتها الصغيرة بالإضافة إلى ثلاث أطفال لا يسمحون لها بحرية الكتابة بداخل الشقة ، من أجل ذلك كانت يومياً تنزل من الشقة مباشرة إلى المقهى في الشارع المقابل ، كانت تأخذ طاولة وكوب قهوة وتشرع بالكتابة ، حاول أن تصنع مكاناً خاصاً بالكتابة أين ما تشعر براحتك ، فهنا سوف تكسر الخوف حالما شعرت بالألفة مع المكان ، كلما غيرت مكانك ، سوف تبدأ بداخلك مشاعر الخوف من جديد حتى تعتاد على المكان ، بالنسبة لي كنت أكتب في غرفة واحدة في المنزل ولا أكتب بخارجها إلا نادراً ، فقط بعض الملاحظات التي تأتي لعقلي وأريد أن أمسكها حتى أصل إلى غرفة الكتابة فكتبها.

2- هدف الكتاب !

لدي هدف و من الطبيعي أن أصمم تدوينتي هذه بشكل نقاط متسلسلة حتى أصل إلى القارئ الذي يرغب بتأليف كتابه الأول بشكل واضح ، وضحّ هدفك ، ومن أجل الوصول إلى الهدف عليك الثبات و الألتزام حتى تكمل الكتاب ، بالنسبة لي قمت بالأعلان عن مشروع الكتاب هنا في المدونة أمام الزوار لكي أصطنع لنفسي جداراً من التزام وضعته أمام القراء لكي يمنعني من التراجع ، إذا كنت تحتاج أن تعدل طريقتي لتناسب شخصيتك وكيميائيتك ، أفعل ذلك أرجوك ، وغيرها إلى طريقة أخرى تناسبك ، حاول صنع الهدف بيدك ، ولتحقيق هذا يجب عليك أن تعرف قُراءك الذين يهتمون بمجال كتابك ، سواء كتاب أدبي أو علمي ، يجب أن تعمل لكتابك لكي يكون مناسب لهم ، مالذي سيكون مميزاً فيه ؟ ولماذا سيشترونه ؟ عليك بوضع قائمة بالأهداف التي تدفع أي شخص ليشتري كتابك ..

3- أقرأ كتب الأخرين الذين سبقوك في نفس المجال !

أسمح لنفسك بزيارة لمكتبة الملك فهد بالرياض والأطلاع على قسم الكتب بالمجال الذي تستهدفه بالكتابة ، ونفس الشيء يحدث في جميع دول العالم ، عليك بالذهاب إلى المكتبات العامة القريبة منك و التي تسمح بالإطلاع والإستعارة للكتب حتى توفر مبالغ الكتب التي ستقرأها ، أما أنا وبسبب أبتعاد مكتبة الملك فهد عني فقد صرفت مبالغ باهضة لجلب الكتب وقراءتها ، لذلك أنصحك بتفادي ذلك عبر الزيارة للمكتبات العامة.

أقرأ لتفهم الذين سبقوك ، ليس المطلوب أن تقتبس أو تسرق أفكار الغير ولكن من أجل أن تعرف و تتلمس المجال الذي ستكتب فيه جيداً.

4- أنشأ ( نظرة عامة ) حول كتابك ، الأفكار الرئيسية ، الشخصيات ، الخطوط العريضة للكتاب ، الخطوط الحمراء في الكتابة لديك ، و كل ما تريده حاول أن تكتبه في النظرة العامة ، ستكون هي المرجع و القواعد الرئيسية لك لكتابة الكتاب ، لا تعلم مالذي يحصل في هذه الجزئية من عجائب ! أفكار كثيرة قد تقدح وتشعل نار الكتابة فوراً فتبدأ بالكتاب.

أرسم الأفكار بورقة ، حولها لرسومات ، هناك طرق كثيرة تجدها عبر البحث بجوجل مثل flow chart أو sketch note وطرق كثيرة لتحويل الأفكار إلى رسومات ،الدراسات في الأونة الأخيرة وجدت أن الرسومات لها تأثير على النمط الأبداعي عبر تحويل الكلام إلى تأثير بصري ، لذلك حول أفكار الكتاب كاملة إلى رسومات وحاول ترتيبها في تراتبية منطقية لتسهل عليك عملية إخراج الكتاب بشكل متسق ، والطريق يبدأ بكلمة ، قم بوصف الكتاب بكلمة واحدة ، ومن بعدها قم بوصف الكتاب بخمس كلمات ، وبعدها أكتب عن الكتاب خمس وعشرين كلمة ، هكذا تخرج الخطوط الرئيسية للكتاب وهكذا تبدأ الرسومات التوضيحية للكتاب.

 

5- لا تقم بإنهاء الكتاب من أجل معرض كتاب أو أي شيء آخر ، أعط الكتاب فرصته الكاملة ، وأجعل اللاوعي يعمل أفعاله بك طوال الأيام ، الشهور ، السنين ، لا تتسرع في أنهاء الكتاب ، بالنسبة لي كان الكتاب يتخمّر في رأسي لسبعة أعوام ، لم أستعجل ، ولم أقرر الكتابة به رغم أحلامي التي كانت تراودني ليل نهار حتى شعرت أن اللاوعي بدأ يدفعني إلى الكتابة ، فكر بالكتاب لشهر ، لعدة أشهر ، لعام ، أو مثلي لسبعة أعوام ، أستغرب من الكاتب الذي يصدر كتاب كل عام ، لا أعلم ماهي مقدرة اللاوعي لديه ليخرج بهذا الزخم ؟ وهل هو بهذه الجودة ؟


 

vgf78954s5d6edr7t89.jpg

ب- القيام بالكتابة.

10 ألاف كلمة هي كمية الكلمات المعتادة لمنشور أو كتيب كالتي توزع بالمساجد ، كتاب أذكار للصلاة أو يومية على سبيل المثال ومدة القراءة لهذا العدد من الكلمات هو من نصف ساعة إلى ساعة ، و 20 ألف كلمة هو معدل كلمات كتب القصة القصيرة ومعدل القراءة من ساعة إلى ساعتين ، أما 30 ألف إلى 60 ألف كلمة فهي معدل الكتب العالمية وأغلب الكتب الآن في هذا النطاق من عدد الكلمات ومدة القراءة هي من ثلاث ساعات إلى ست ساعات ، أما 60 إلى 80 ألف كلمة فهي للروايات الطويلة ، و ما أعلى من 100 ألف كلمة هي لكتب العلمية و السيرة الذاتية وعلى سبيل المثال سيرة ستيف جوبز.

1- لا تتخلى عن جدول الكتابة اليومي.

تخيل نفسك في ماراثون وعليك أن تقطع عدد معين من الأميال كل يوم ، نفس الشيء يحدث معك بالكتاب ، ضع جدول يومي للكتابة بعدد ملزم من الكلمات ، مثلاً يجب أن أكتب 500 كلمة يومياً ، لمدة شهر ، أو حتى أنتهي من عدد الكلمات المطلوبة للكتاب ، لا بأس بيوم واحد تتوقف فيه للراحة ، ولكن لا تطل أكثر من يوم واحد عن الكتاب ، لتبقي شعلة الكتاب بداخلك وتبقى النصوص مترابطه في أسلوب الكتابة.

من الجميل أن تنشأ روتين يومياً لك بالكتابة للكتاب ، بعض الكتاب يختار أول فعل يقوم به صباحاً هو الكتابة ، وبعضهم الساعة الأخيرة من يومه وقبل أن يذهب إلى الفراش لينام ، يبدأ بالكتابة ، قرأت للكثير من أوقات غريبة للكتابة ، حاول أن تستكشف نفسك وماهو الوقت المناسب لك بالكتابة ، وحاول خلق عادة يوميه بإن تكون هذه الساعة ثابته ومعروفة لديك للكتابة.

2- فكر بالقارئ ، و لا تبتعد عنه !

كقارئ في أوقات كثيرة أجد الكاتب في حالات مختلفه ، قد يسرح بعيداً عني ، قد يكتب أحياناً من برج عاجي ، وأحياناً أخرى يكتب من داخل قوقعة ، تختلف حالات الكتاب ، ولكن لطالما وجدت بعضهم يتكلم بلغة غريبة ، تكتسيها مفردات ثقيلة و صعبة على القارئ العادي ، خصوصاً في كتب لا تتطلب كل هذا الزخرفه .. هذا بالإضافة لوجوب أتباع أسلوب منطقي و متزن في الكتابة ، الأبتعاد عن الخيالية الحالمة التي لا توجد إلا في قصص ديزني ، الواقعية في الكتابة مهمة ، ربما للروايات لها جمهور ولكنها ليست أسلوب كتابة عام ينسحب علي بقية الكتب ، لذلك كما أسلفت سابقاً ، فكر بالقارئ ..

كنت قد سألت أحد الأصدقاء عن أحد الكتب التي ذاع صيتها في علم تطوير الذات ، أجاب قائلاً كلامه لا ينطبق إلا في خياله ، بالرغم أنه حاول أنهاء الكتاب ولكن يقول لم أجد إلا كمية مفرطة من الأحلام التي لا أستطيع تطبيقها على واقعي ، لذلك حتى في الروايات حاول أن تكتب لما يلامس خيال القارئ ، ويستوعبه .. أو لنقل الخيال الممكن أستيعابه.

3- أكتب و أكتب و أكتب ، هناك وقت كافي للعودة لتحرير ما كتبته.

أستمر بالكتابة المتصلة ولا تنقطع من أجل تحرير ما كتبته ، أجمع الأفكار قدر أستطاعتك فلا تضيعها بإعادة تحريرها المستمر ، أجعل التحرير ما بعد إنهاءك للمسودة ، وبعدها قم بالعودة وتحرير كل ما كتبته ، ولا بأس بالكتابة التجريبية قبل أن تبدأ الكتاب ، حاول أن تكتب نصوصاً و أنشرها وأنظر لردات الفعل القادمة لك ..

 


36882234994_98d4f9df90_o-001

ج- أنتهاء الكتاب.

1- عندما تنهي الكتاب ، مبروك إنجازك يا صديق لكن هذا يعني أنتهاءك من الكتابة ، بل هي البداية ، حيث ستبدأ مرحلة إعادة الكتابة من جديد ، لا يوجد نص لا تتم إعادة كتابته من جديد ، هنا ستبدأ لحظة مرحلة تحرير كاملة للكتاب ، البعض قد يعطي الكتاب لمحرر ويعطيه الثمن ليقوم بتحرير الكتاب كاملاً له ، البعض سيعتمد على نفسه بعملية التحرير وهذا ما قمت به أثناء كتابة كتابي ، هناك الكثير من المحررين المستعدين لتحرير كتابك بالكامل وبالنسبة كنت مستمتعاً بالكتابة فرغبت بتحريره و مراجعة أسطره من جديد ، للبحث عن الجمل التي تحتاج أن تعاد صياغتها ، تخفيف مفرادتها ، وإعادة تركيز المعاني بشكل صحيح ، هي إجراءات كثيرة وإصلاحات واسعة تقوم بها ، ربما هي أصعب العمليات في الكتاب كاملة ، لأنها حساسه جداً ، قد تبتر معاني ، وقد تعالج معاني ، لهذا كانت أكثر أجزاء الكتاب مرهقة لي .

2- لا تقع في حب أسلوب كتابتك ، مهما أعتقدت أنه رائع وجذاب بالنسبة لك ، جميعنا نقع تحت هذا التأثير الجذاب والذي يخادع عقولنا بجعل النصوص مثالية أمامنا ، أما الحقيقة فهي ليست جذابة ! ، إن كانت هناك جملة وجدت نفسك منجذب لها ولم تكن جيدة في سياق الكتابة ، بكل بساطة قم بحفظها في مكان آخر لتستخدمها في نص آخر ، لا تحتفظ بأي جمل مهما أحببتها في سياق لا يناسب النص ، مشكلتنا الكبرى هي في عدم الحذف ، نحب الأحتفاظ بما كتبناه ، التنقية والتصفية شيء ضروري ، كتبت أكثر من 400 صفحة ، جعلتها مرغماً ل200 صفحة ، كلها من أجل أن يخرج الكتاب صافياً دون شوائب مزعجة للقاريء .

3- قم بتسليم النسخة النهائية إلى من تثق برأيه ، فأنا أشكر بعض المدونين الذي تطوعوا في قراءة كتابي كاملاً وأعطوني رأيهم الصادق والذي ساعدني كثيراً في تغيير بعض الأشياء في الكتاب ، جعلتني أفهم الأراء والردود ، وكان حرصي على إعطاءه أناس لا يعرفوني بالطبيعة حتى يكون ردهم بلا عاطفة تليّن التعليقات أو تتساهل في النقد ، من المهم في كتابك الأول أن تجعل أكبر عدد ممكن يقرأ كتابك وأن تترقب تعليقاتهم حول الكتاب.

في النهاية أتمنى التوفيق للسائرين في طرق الكتابة وتملكه الحماس لإنتاج كتابه الأول ، أنا هنا دائماً أمد أكففي لمساعدة للجميع ، سواء بالنصائح أو المراجعة للخطوات ، أو حتى بمراجعة النسخة النهائية قبل تسليمها لدار النشر ، وهنا إيضاً بالختام تدوينات تدور حول #الكتابة .