زافون ، ملك السرديات المعاصر

أقتباس لكارلوس زافون :

” وحضرتك، هل لديك موضوع جاهز، بكلّ تلك الكتب القميئة التي تراجعها؟ “

هذا الصباح أكملت قراءة الجزء الثالث من مقبرة الكتب المنسية ، تبقى الجزء الرابع ” متاهة الأرواح ” وأعتقد أن الأستاذ معاوية عبدالمجيد يعمل عليها بكل جهده كما كان واضحاً خلال أجزاء الرواية الثلاث المترجمه حتى الآن ..

وقوعي على هذه السلسلة كانت من قبيل المصادفه ، حيث شدني عنوان الكتاب ، ” سجين السماء ” كنت ألفظ العنوان ببطء ، عندما كنت أزور جناح منشورات الجمل في معرض البحرين للكتاب لهذا العام ، رغم أن موظف الدار لم يكن مشجعاً للشراء منه فقد كان فظاً وكأنني قطعت سكينته وهدوء المعرض ، لكن هذا لم يؤثر بي ، فقد آسرني عنوان الكتاب ، سجين السماء ! ، شعرت نحوها بأرتباط وثيق ومعرفه قديمة ، دفعني متساهلاً بقيمته العاليه 75 ريالاً لشراء الرواية ، وضعت الرواية على المكتبه ، ولم يمر الربيع حتى قررت أن أبدأ بقراءة الكتاب الذي لا أعرف عنه شيء ، كنت محتاراً ماذا أخذ كتاباً تحت معطفي إلى الشاطيء ، تذكرت الذي تملكني عنوانه ، فكان صاحبي لذلك المساء ، سجين السماء ..

قرأت أول عدة أسطر وعرفت فوراً أنني سأحب الرواية ! ، حيث مرت تلك الساعات سريعة على نفسي وأنا أغوص في ثنايا صفحات الرواية التي أذهلتني فيها السردية المحترفه لـ كارلوس زافون ، أما معاوية وبالرغم أنني قرأت له رواية الإيطالي لباولو سورنتينو والتي لم أستمتع بقراءتها كثيراً ، لم أعلم أن الكاتب له الأثر الكبير في مساعدة المترجم حتى رأيت أعاجيب كارلوس السردية وتماهي معاوية معها وقدرته العجيبه على ترجمتها بسهولة عذبه تمكن القارئ من الذوبان بين الأسطر بسهوله مفرطه ، فلم أجد أي صعوبة أو تجشؤات وأنا أقرأ الصفحه تلو الصفحه للراوية ، على إثر إعجابي للرواية قررت أن أغوص في جوجل لأعرف أكثر عن كارلوس زافون وتحفته الفنيه هذه ، علمت بعدها أن الرواية هي جزء من رباعية مقبرة الكتب المنسية ، كتبت بالأسبانيه وترجمت للغات عديده ومنها الإيطالية التي وقع من خلالها معاويه عليها وتنبه لها ، توجهت فوراً للمكتبة وشراء بقية السلسلة المتوفره وهي لعبة الملاك و ظل الريح.

حديثي سيبدأ مع سجين السماء ، حيث وقع خطأي فقد قرأت الجزء الأخير من السلسله ، ورغم أنها الجزء الثالث في الرواية لكن هذا لن يؤثر هذا على قرائتك لأحداث السلسلة إن حدث لك مثلما حدث لي..

سجين السماء:

وجدت نفسي وأنا منهمك في قرائتها أنني كنت معلقاً في السماء ، علمت فوراً أنه سيكون فلماً رائعاً لو تم إخراجه ، فهي ملحميه ، ثائره ، وفي نفس الوقت جذابه ، تلتهمك أنت ولست أنت التي تلتهما! ، وبكلمة أخرى ، عذوبه !..

الرواية بنسختها العربية صدرت في عام 2019 ، والأجمل أكتشافي لهذا الكاتب في هذا العام ، فكتابه هذا يأتي في ثلاثمائة وخمسون صفحة ، يعتبر أقل صفحات كتبه المترجمه حتى الآن.

” المستقبل لا يأتي بالتمنيات ، إنما بالإستحقاقات “

صارعت عقلي مشاعر الخرافه ، وصارع قلبي مشاعر البداية ، كانت مشاعر مختلطه تحت أصداء صوت ألحان موسيقى كارلوس في السطور ، يقول عن نفسه أنه كان يعزف ومن ثم يعود للكتابه عند حضور إلهامه ، وقام برفع بعض معزوفاته على موقعه هنا.

عندما وجدت نفسي أنني قرأت الثلاثيه من حيث توقف ! ، قررت السير بقرائتي معاكساً ، سأقرأ الجزء الثاني ومن ثم الجزء الأول ، فلعبة الملاك هي الجزء الثاني من السلسلة الشيّقة ( مقبرة الكتب المنسية ) ، المترجم لا زال معاوية حيث يكمل إبداعه ، ولكن هذه المره مع دار آفاق المصريه ، لعبة الملاك ، بعدد صفحات أكبر من شقيقتيها حيث تأتي ب 650 صفحة ( ضعف عدد صفحات سجين السماء ) فرغم ضخامة عدد الصفحات التي تشعرك أن هناك الكثير من الصفحات التي ربما ملئت بالترهات لمجرد أن يتم رفع أرقام الصفحات بتلك الحوارات اللا معنى ..

أقتبس كلامه هنا ” أنّي أكرّس الوقت الذي يروق لي في تناول الفطور أو العصريّة أو تأمل شباك العنكبوت وهذا لا يشكّل أيّ موضوع للنقاش. “

عندما أنهيت ثلاثية مقبرة الكتب المنسيه ( لحين صدور الرباعية ) ، كانت لعبة الملاك هي التاج لهذه الثلاثيه ، فهي تفوز رغم ضخامة صفحاتها ، فقد آسرتني أكثر من سابقتها سجين السماء ، كنت أتوقف مع كل صفحة لأستغرق في سردية كارلوس السحيقة ، كنت أشعر برأسي يسقط من أعلى تل في برشلونه ولا أستطيع جمع أنفاسي ، يقول محدثاً حبيبته ومعتذراً لها بكلام جميل يغرق عذوبه :- كان لنبرتي رنين عدائي أقوى مما كنت أرغب فيه ، الرغبات عندي كما الأزهار : إن تملكتني ، ماعدت أعرف أين أتركها ؟!!

ظل الريح ، حطت رحالي أخيراً حيث البداية لمقبرة المكتب المنسية ، فهذا الإصدار للمره الثالثة يقوم معاوية بتغيير دار النشر ، فهذه المره مع مسكيلياني التونسيه ، فعندما مسكت الكتاب كانت أجود الأجزاء أوراقاً ، وغلافها قاسي والطباعة جميله ، والغلاف كان تحفه فنيه ، لكن لا أعلم ما السر؟ لم تكن الرواية بمستوى الجزئين الأخرين ، تمنيت أن أتوقف لأكثر من مره ، فقد كانت القصه بلا معنى ، مشتته ، لا تشير إلى هدف واضح على غرار لعبة الملاك و سجين السماء ، هي أول ما ترجم معاوية من السلسلة ، ولكن لا أدري لماذا هذا الأبتعاد في السطور وأنا أقرأ .. تقلب الشخصيات كان يشعرني بالحنق ، كنت أقاوم التوقف ، وأدفع رغبتي في رمي الكتاب في المكتبه لتعود مكانها ، ولكن رغبتي لمعرفة ماذا حدث لفيرمين ؟ ، البراعة كانت منقوصه في هذا الجزء تحديداً ، لا أعلم هل هي من الترجمه أم الرواية أم ذوقي القرائي !

أكتشافي لكارلوس زافون في هذا العام كانت من الأشياء الجميلة التي حدثت ، حيث أخذني في متاهة الكتب المنسية وعامل القارئ بذوق رفيع وهو يستعرض معه المكتبه ويتجول في أسرارها ، جعلني أحب برشلونه وأنا الذي لم أزرها في حياتي !