
في ليلة من عام 1984 حيث جاءت لي الجنيّة ، كانت ليلة باردة تشبه هذه الليلة تحديداً ، تسامرنا بالحديث طويلاً و أقتبس من كلامها إذ قالت :
أن ديسمبر ليس سوى شهر تجتمع فيه الكآبة والصقيع ،
موسم تتجمد فيه أنهار المشاعر و تتساقط عنه غطاء السماء !
كنت آنذاك صغيراً ، تلعب فيه الرياح ، يقتات أحلامه على ضوء القمر ، يكوّم ظله ، يسبح في الظلام ، لا أقوى على القفز ، ولا أهتم إن لم يشر إلى صوتي أحد ما !
لا أعطش في ليلي ، ولا أجوع في نهاري ..
لطالما كانت الجنيّة تقف عند طرف الباب متفاجئة في كل مرة تشاهدني فيها ..
فتسألني هل أنت تنتمي إلى هذا المكان؟
أجيب/
لدي برهان إنني طين ، فهنا دم ينبع مني ..
ولكن بما أننا نتحدث عن الحقيقة هنا ..
فأنا لا أشعر بنفسي .. هل تشعرين بنفسك ؟

ديسمبر يتكرر للمرة عاشرة منذ إنشائي لهذا البلاط المتهالك وإعلان بياني بإن تزحف أحرفي المحطّمة هنا ، ومنذ ذلك الحين فقد وقعت بهذا الواجب الذاتي نحو الكتابة بتاريخ شهري ، ورغم جمالية هذا الألتزام ولكنه يبقى عشوائي ، وهذا السوء فيه ! ، ففي بدايته كنت أسميته تفآريق لهذا السبب، أحاول إيجاد مذهب ” كتابي ‘‘ و أفشل .. لا زلت متفرّقاً ، ومشتتاً ..أعتقد هكذا أنا ، لقد يئست من محاولة التغيير ..
كنت وضعت خططاً كثيره في بداية هذا العام ، لم أحقق منها شيئاً ، وهذا ليس معناه أنني لم أحقق شيء ، ولكن دفعتني الأقدار إلى القيام بأشياء أخرى خارج تلك القائمة التي وضعتها لنفسي ، كان منها الإنخراط بشكل جدّي وواضح في نادي الكتاب والذي بدأنا بتأسيسه مع أربعة من الأصدقاء وأثمر عن مجموعة يتجاوز أعضاؤها الثلاثون قارئاً ، هذه القفزة والتي كانت لولا مساعدة أصدقائي الأربعة لم تتحقق ، هذا الإنجاز حقيقة كان بمثابة أكبر منجزاتي لهذا العام الرائع ، بالرغم من توسعي في مشروعنا المنزلي الخاص ومن أجل هذا أبتعت سيارة و قمت بتوظيف سائق بالإضافة إلى موظفة ليستطيعان كلاهما مواكبة العمليات اليومية ، لم تتوقف ما حققته من منجزات عند هذا الحد ، فقد أبتعت منزلاً خاصاً لم أكن أتوقع حدوث كل هذه الأشياء خلال هذه السنة ، زرت بلدين جديدين لأول مرة، كوريا الجنوبية و أسبانيا، ولكن فإن كل تلك الأشياء التي قلتها ورغم أنها هائلة في منظور البعض ولكنها لم تكن على روحي بقدر مافعل نادي بروج للكتاب بجرف مشاعري معه ، كان بروز ملامح النادي هو أجمل إنجازاتي لهذا العام ومن ثم أصبح هو شغلي الشاغل في بذل كل مساعدة ممكنه من أجل تطويره وبقاءه متوهجاً ومكان يلمؤه حب القراءة والحياة ، أخيراً أصبح في حياتي مكان شاعري غير المدونة والتي كنت ولازلت أعيش فيها أجواء شغوفة مع الكتابة ، لكن في نادينا الصغير ، هنا كتاب و قهوة و مكتبة وجمال الإنسان حيث أصداء صوته تتدفق وتملأ المكان وهو يناقش كتاباً قد قرأه، هذا التأثير التفاعلي الواقعي الذي كنت أحتاجه ، وهذه القوة التي تتوزع في جلساتنا شبه الأسبوعية ، حيث نجتمع بشكل لطيف مرتين في كل شهر ، والتي ما تلبث أن تتناثر فيها الأفكار كما تتناثر فيها تماماً أقداح القهوة ، هذه الإشتراكية بالإهتمامات تساعد الإنسان ليتمكن من الوصول إلى حقه المعرفي ببساطة ويخفف عليه شعور الغربة من عدم وجود آناس لهم نفس الآهتمامات يشتركون بها وكآبة المعرفة حتى لا يكون المال أو الوقت سبباً له .. أفضل ما أقول عنها بشكل عفوي ودون تكلف بالكلمات : أن شمس المعرفة قد أشرقت في مجتمعي الصغير ، لم أعد أقرأ لوحدي ، لم تعد مناقشتي للكتب محصورة في مواقع الأنترنت فقط ، أصبح لدي مكان أتواصل فيه وأتواجد بمشاعري دون إنقطاع أو حواجز البُعد الإلكترونية.
الكتابة عن المشاريع التطوعية ترتبط بالمشاعر بخلاف عادة المشاريع الأخرى الحياتية ، لا أفهم حقاً كيف يعمل شعور العطاء في الذات الإنسانية؟ ، وكيف تبث قوة السعادة بداخلنا؟ هنا تكون مُضاء فيذهب الحزن والخوف ، من دون أن تعرف من أين مصدر الضوء؟ هل هي الإنسانية التي يقولون عنها؟
معاناتي مع التشتت المقلق مستمرة بسلوكها طريق تصاعدي لا ينتوي الهبوط و لا الإستقرار ، فالضوضاء مجهده وهي تحيطني من فوق رأسي ومن جوانبي و تجعلني متوتراً ، تفقدني التركيز ، لهذا ومن أجل هذا التشتت فأنا كل مرة أجد نفسي أسير في طرق متعرجة كان من المفترض أن لا أتواجد بها ، أما في آخر أيام هذا العام ، سأضع جدول محدد ألتزم فيه بنشاطاتي ، أهدافي ، أعمالي ، أحاول فيها ترتيب رحلتي في عام 2020 حتى لا أسمح للخيبات بالنفاذ ولا أن يتهلهل الوقت في يدي ، لإنه وبالرغم من منجزاتي لعام 2019 ، أعتقد أنه بوجود فعالية أفضل وأسلوب تخطيط للوقت ، كان من الممكن أن أستفيد أكبر في هذا العام.
على الهامش:
*قرأت أكثر من أربع و أربعين كتاباً.
دودة كتب ، ربما !
في زمن ما… لَ يكن شهر ديسمبر هو من يلملم كآبات العام، ويُتهَم بلا ذنب عن إحباطات الشهور التي تسبقه. كان ذلك عندما كان اسمه كانون الأول، لم يكن أخيرًا… لكنك تعرف… من الجميل أن نجد شمّاعة نلقي عليها أوجاعنا وفشلنا.
أغبطك على مشروعك الجميل، فما أجمل من المشاريع التي نرعاها من القلب. وآمل أن يمتذ نجاحه وتستمر بهجته في نفسك، فأنا قد فقدت الثقة في مناقشات الناس المباشرة وجها لوجه، حتى وإن بدأت مُشجّعة. متشائم؟ ربما… لكن المثل المصري يقول… اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي!
لا تخشى التشتت ولا عدم الاستقرار النفسي، فهناك من أعرفهم قد أصبحوا ساكنين بعدما قتلهم الاستقرار!
عدم الاستقرار مُحفز للكتابة، و للقراءة و للبحث وللسفر، حتى أنني بت أؤمن بأنه لابد من وجود شيء ما يبحث عنه الإنسان كي لا يموت مللًا.
عام سعيد يا يزيد ❤️
أحمد فؤاد
في آخر ايام كانون الأول… السعيد 😊
إعجابLiked by 1 person
هنيئًا لك ما أنجزت 🙂
عامًا طيبًا🌸
إعجابإعجاب
جميل تطور بروج تبارك الله😍 وعساه دائما ً في تقدم وازدهار لا شيء يفوق واقعية الأشياء حولنا والأحاديث والنقاشات ..هذه العوالم الأفتراضية تأكل من المتع الحقيقية الشيء الكثير .
أما الخطط السنوية فهي عادة اقلعت عنها لأنها تثقلني مع شعور بالاحباط عند عدم تحقيقها لذا فالعام القادم باذن الله عام الخطط والأهداف قصيرة المدى .. ستكون شهريه أو اسبوعية بإذن الله والتي لا تنجز تمر على اختبار الأهمية لأقرر انتقالها للشهر التالي أو شطبها و إراحة النفس 😁..
عام جديد وسعيد لك ومدونتك 🌷
إعجابLiked by 2 people
هذا رائع ان تلتهم 44 كتاب بهذا الشغف يجعل من كسر رقمك هذا شغف لسنتي الجديدة علما أنه بلغ عدد كتبي ثلاثة وعشرون, انت ملهم, بالمناسبة مازلت أنتظر ان يصلني كتابك بشوق سيكون من الجيد ان ابتداء فيه سنتي الجديدة , كل عام وانت منجز .
إعجابLiked by 1 person
دائماً ملهم في تدويناتكِ يا صديقي ،، عامٌ جميل وعامٌ قادم تحقق بها من أمنيات ،،
دمت بخير وسعادة يا صديقي ،،،، 🌷
إعجابإعجاب
مبارك لك بروج🌹
سنة سعيدة مليئه بما تحب أستاذ يزيد
إعجابإعجاب
الله يا يزيد! ❤️
مبارك لك بروج، الله يجعلها سنة الإنجازات والنجاحات.
إعجابإعجاب
مبارك لك بروج ، جعلها الله لك سنة سعادة و إنجاز مستمر دائماً بإذن الله ، متميز دائماً في طرحك و اسلوبك صديقي يزيد ..
ادام الله لنا قلمك و إبداعك .. فخورين بك جداً ..
دمت بخير ، 🙏🏼💐🌷
إعجابإعجاب