تسوقنا الأيام بقوتها العجيبة والغريبة ، فتقوم بدفعنا بأشكال معينة ، حتى نجد أنفسنا نقع في بيئة تتماهى فيها المحفزات والإشارات ، غالباً يكون هذا بلا وعي وإدراك منا، البيئة تحيط بكل تصرفاتنا مهما حاولنا مخالفة الواقع ، أو أن ندعي شيء آخر ، فعندما يوجد الكأس تصبح العادة بإن نشرب الماء بالكأس، وعند فقدان الكأس نشرب من النهرمباشرة ، هناك سياق خفي غير محسوس ولا نراه بشكل مجرد ، بل يختفي بأقنعة ، يكوّن لدينا معلومات وتصورات خاطئة و بناء عليها نقوم بأختياراتنا التي نؤمن وقتها بصحتها ، بدون مقدرة منا لإختباره ، أو العودة إلى الخلف لتصحيح الأختيار.

وفجأة في أقرب عثرة ، مطّبة ، نستيقظ تحت شلال جارف من الذاكرة يعود بنا إلى لحظة دخول هذا الطريق ، مالذي دعاني لهذا الطريق ، ولماذا أخترته؟ و كيف لم أنتبه لتلك اللوحات التحذيرية ؟ ولماذا فضّلت هذا الطريق عن ما سواه من الطرق التي ستكون أفضل! فهي تناسبني أكثر بكل تأكيد كما هو واضح لي الآن.

كنت أقرأ قبل أسابيع رواية لـ كولسون وايتهيد تدعى بالسكك الحديدية السرية يقول فيها ” أعرف قيمتك وستعرف مكانك في النظام ، الهرب من حدود المزرعة كالهروب من المبادئ الأساسية لوجودك : مستحيل ! “

توقفت كثيراً مُفكراً عند قراءتي للسطر السابق حيث أصابتني الدهشة مع فكرة السكك الحديدية ، مالذي سنصل إليه؟ ماهي الأقدار؟ وماهي هذه القطارات السرية ؟ وهل الوجود الذي يقصده السيد وايتهيد يعني عدم مقدرتنا بالعودة إلى الوراء ، الكتاب رغم ترجمته التي لم تعجبني لكن أفكاره المكرّسة في الكتاب كانت كفيلة بجذبي لهذا التشبيه الأنيق ، القطارات السرية ، ربما كان تأثير حالة أهتزازي النفسية مع نكبة الكورونا ( أفضل تعبير نكبة بدلاً من جائحة ) تحاول تسقط أفكارها الخاصة على الرواية  ، هذا الصوت الداخلي  الذي يخنق أفكاري ، ولا أجد إجابات مقنعة ، هل أفقد طريقي لأنني مُعدم الخبرة ؟ ومن ثم علي القيام بهذه التجربة التي يجب علي المرور فيها ؟ سواء نجحت أم لا ؟ تلك الأختيارات التي وضعتها قبل سنوات ، ماهي أثرها علي بعد أن سلكت هذا الطريق ؟ هل أعود ! كيف أجد طاقة تدفعني على المسير بعد أن رأيت ما رأيت ؟ ، كم علامة أستفهام قد وضعتها حتى الآن ؟ 

قبل عدة أعوام ، كنت أقول بشكل مستمر لأصدقائي عندما أقابلهم ولا أجد شيء يقال لتغيير الحديث إلا بسؤال بسيط ، أين طريق مدينة جدة ؟ أو طريق الرياض ؟ أو طريق الخبر ؟ وأكون مع صديقي في نفس المدينة التي أسأل عنها ، كانوا يبتسمون ، لكن أنظر لها بعمق حينها ، أين الطريق لهذا الذي بداخلنا ، لا أخفيكم أن كورونا فجّر بداخلي ذلك الصوت الذي أصبحت أسمعه في كل لحظة الآن و أصبحت أتشوّق لضجيج الناس حتى أستطيع أخفاءه وأن أكون بسبب الناس ومع الناس هاديء ، فهو لا يترك رأسي لحظة حتى يذكرني بكل أختياراتي السابقة ، هذه السياط من التأنيب ، وهذه العواصف التي تحيط بي وتقول : لماذا لم أختر هذه وتلك ؟ 

 

الشيء الوحيد الذي لم يؤنبني عليه ، هو أختياري أنشائي للمدونة ، أمتناني لتلك اللحظة التي لا أنساها !

على فكرة لقد أكملت عشرة أعوام في هذه المدونة المجيدة.

تحياتي المديدة لكم.🌹