ورقة أخرى متساقطة،

من أيام البذر و الملح و الطلح ، من أيام الطفولة إلى البلوغ ،

تدنو حتى تسقط أرضاً..

دوى صوت..  سُمع في المعمورة!


سأسردها من النهاية ، في الأربعاء الفائت وبشكل مختصر : ” دُفنت شجرة الياسمين في مقبرة النسيم .. “

اما قبلها في الليالي السابقة كنت أعيش مُطاردا كل ليلة بعد هجمات من الأحلام المتلاحقة تجعلني أفزُ في سريري ، تزورني خلالها أحلام كانت إشاراتها ومعانيها توحي بموت شخص عزيز علي  ، في إثرها عشت ثلاث ليالٍ صعاب تغص فيها الحيرة والأسئلة من أمر هذه الأحلام التي فاجئتني ، وما لبثت الليلة الثالثة من مسلسل الملاحقات الليلية حتى عرفته ، أكتم ما أراه عندما أستيقظ، هذه أيامي الماضية كنت أعلم أنه سيموت ، كنت أقول قريباً خلال أسابيع ، فهذه المرة الرابعة في حياتي التي تحدث لي مثل هذه الأحلام ، عمي الأستاذ نايف، جدتي حصة، عمي المهندس عبدالله، الآن رابعهم كان عمي وخالي ووالدي الدكتور عبدالله، لم أفكر بسؤال مفسرين الأحلام، فأنا عرفت معناه جلياً، واضح مثل وضوح الشمس في عين النهار وقد تكرر معي هذا الشيء أكثر من مرة ، هيئت نفسي للأتصال الذي سيعلمني بوفاته، ولكن هذه المرة كنت أفكر مالذي يمكنني فعله؟ مشاعر صعبة عندما تشعر بوفاة شخص ولا تستطيع أن تقوم بشيء نحو ذلك ، قمت بإسترجاع ذكرياتي معه ، رحلاتي معه ، البحرين ، الرياض ، الخبر ، جدة ، الحج ، ينبع ، صيد الضبان و قطف ثمار مزرعته ، ذكرياتي مرتبطة في كل مكان ، قد كان هنا، و كان هنا، و كان هنا، الشيء الوحيد المرتبط بين كل تلك الأشياء والأماكن كانت ابتسامته التي لا تفارقه، كان أقوى الناس الذين رأيتهم وعرفتهم في حياتي، طاقة الأبتسامة التي يملكها، ذخيرة لا تفنى ولا تمحى من وجهه الضياء ، بمجرد نظرة منه تستطيع أن تهدأ كل حروب العالم ، وكأنه خُلق من جزء السعادة ، بل أجزم أنه ينبوع من ينابيع السعادة في هذا الكون الفسيح وبفقدانه فقد الحياة أكبر ينابيعها ، أذكر عند قدومه من أمريكا قبل سبعة سنوات بعد رحلته العلاجية الأولى ، كان يتحدث والأبتسامة ترفرف على محياه ، لم أستطع إبعاد عيني وأنا أنظر مندهشاً ، وسبب إندهاشي أنني منذ وعيت على الدنيا ولا أراه إلا قويا البأس لا يعرف اليأس ، لم أراه ضعيفاً ابداً ، حتى في آخر لقاء صادفته في مستشفى الحبيب في مدينة الخبر ، والقناع على وجهه ، أرغم نفسه على قلعها حتى يريني أبتسامته ،  لا أعلم في حياتي شخص فيه مثل ما رأيت في هذا الرجل الطيّب ، وكما يقولون المصاعب تبيّن معادن الناس ، أخترت صورته وهو يقف على مكان سريره وسريري الذين كانا متجاورين ، في رحلة الحج وبعد سقوط المطر وكما هي الصورة توضح ركام الصخور والطين مكان الأسرة ، تمكن هو لوحده من قيادة المخيم كامل و إعمال خطة إنقاذ فورية كانت كفيلة بإنقاذ مئات الأشخاص في المخيم ، بعد انقاذهم عدنا لنجد مكاننا هكذا متلحفاً البطانية يحاول أن يدفأ نفسه بعد كمية المطر المنهمرة عليه وهو يركض من جهة إلى أخرى يحاول القيام بإنقاذ كل الموجودين في المخيم ، ضحك وجلس وقال صورني هنا لأتذكر المكان والحادث ، كنت أقول له ، تخيل يا عم لو لم تقطع صلاتنا العصر وتأمرنا بالهرب من المخيم ، لأجترفنا السيل كما أجترف أسرّتنا!

تتزاحم قصصه المؤثرة في حياتي الممتدة معاه منذ ثلاثين عاماً ، يعرف حياتي كاملة ، أحسن تربيتي ورعايته لي ، ولا أملك له الآن سوى الدعاء بالرحمة.


*حمامة مسجد.

*أستمر أكثر من 15 سنة وهو يقضي رمضان كاملاً معتكفاً في الحرم المكي.

*أخف جنازة في حياتي حملتها ، حتى أنني شككت أنني كنت أحمل نعشاً !

 

DSCN0379