
كنت أشاهد ليلة البارحه و ذلك للمرة الثانيه الفلم المشوق الوثائقي ( Particle Fever ) وهو يتحدث عن الجزيء الغامض المسيطر على شكل المادة والموجود في الذره ، ورغم مشاهدتي للفلم عند صدوره في عام 2014 ولكنني لازلت أجد فيه متعة بقيامي بمشاهدته لمرة أخرى ، ولكن ما أسترعى أنتباهي الشديد هذه المره هي مقولة قالها أحد العلماء في إحدى مشاهد الفلم ( لا زلنا نجهل الكثير ) ، لم يقل نحن أصبحنا نعرف الكثير بل أمال كفة الجهل وأنه كلما زاد معرفة عرف أنه لا زال يجهل الكثير ، هذه الكلمة أعادت لي نفس المشهد تقريباً حصل لي قبل عدة سنوات في العمل ، حيث كنت أناقش أحد رؤسائي وهو اجنبي وقلت له ( أنا أعرف ، أنا أعرف ) فصعقت من إجابته حيث قال أنا أعمل منذ ثلاثين عام في هذا المجال و لازلت لا أستطيع أن أقول ( أنا أعرف ، فأنا لازلت لا أعرف حتى هذه اللحظه ) ، هزتني كلماته وتشبثت بها ، وكأنها صفعه ولكني أمسكت باليد التي صفعتني على خدي و لا أريد أفلاتها ، فقد شعرت بكلماته وبرهان الحقيقه الغائبه وجعلتني أغير من تفكيري كثيراً ، لا يوجد شيء يخدع الإنسان أكثر من وهم المعرفه !
راسل بيترز وفي عرضه ( Notorious ) كان له مشهد عن إستغرابه من العرب و ثقتهم التامه بمعرفة كل شيء ! ، تحدث عنه بشكل ساخر ، وهي للإسف واقع أنتبهت له قبل سنوات من خلال تجاربي في العمل بالتحديد ، حيث تبادل المعرفه يكون في أعلى مستوياته ، و بسبب عملي الذي يحتم على التعامل مع جنسيات مختلفه أجد تنوعاً في التعامل والردود بسبب أختلاف الثقافات ، وأجد بكل سهوله ثقافة ( أنا أعرف ) هي الطاغيه و المهيمنه على المستوى العربي ، وكل ما يدور في إعتقاد العربي هو أنه لا يهم إن أخطأت المهم ان لا أقول ( لا أعرف ) ، فهي في نظره أم المصائب ، وعلى النقيض أجد المجتمعات الأخرى وخاصة الغير عربيه ، حيث ذلك الشعور الطاغي بالجهل في حديثهم ، فتجده رغم معرفته الفائقه والواسعه يطلب مني الإجابه أولاً ومعرفة إدراكي حتى لا يقع بالخطأ ، أجد فيه ذلك الشعور ( بوهم الجهل ) يغرق فيه وهو الذي نحتاجه فعلاً ، فتجده يقول لا أعرف رغم معرفته البسيطه في نظره والتي تكون غالباً أكثر من معرفتي في حديثي و أسئلتي معه ..
أتذكر في إحدى فترات عملي كنت أشرف على زملاء العمل والذين هم في الواقع من الخريجين الجدد من الجامعات و هذه أول فرصة عمل يحصلون عليها ، وكنت أجد فيهم شعور مسيطر عليهم بإنهم ( أتموا العلم ) بسبب مجرد تخرجهم من الجامعه ، فيسيطر عليهم إعتقاد يغطي على رغبتهم بإنه لا ينبغي عليهم تعلم أي شيء جديد ! يحدثني جلًهم بإنه يريد أن يستريح ويجلس على المكتب المخصص له ، فقد أكتفى من طلب العلم بالجامعه ، فهي مرحلة وأنتهت ولا يحتاج للمزيد ، فهي تكفي في نظره ، فكنت أقول لهم لا أخفيكم أنني في أوقات فراغي المنزليه أضطر أن أقرأ المراجع والمصادر المختصه لإرى الجديد في مجالي ، لازلت أحتاج هذه الساعات للتعلم رغم سنواتي العشر في العمل ، أشعر فعلاً بإني لازلت جاهلاً لا أعرف شيئاً ..
أجد دائماً في حديثي مع من هو حولي أنتشاراً رهيباً لوهم المعرفة ، فقد أصبح يسيطر على المجتمع ، يفتك به ، ويحد من تقدمه ، ويجعله يكتفي بما حصل عليه و يركن إلى الراحه ، في إحدى المرات حدثني أحد الأصدقاء عن دكتور قد قام بتدريسه ماده علميه في الجامعه ، يقول أنه لم يغير منهجها ولم يكلف على نفسه منذ ثلاثون عاماً ، رغم علم الطلاب بإن هناك تغييرات كبيره طرأت في هذا المجال العلمي المعقد بالتحديد ولكنه لا يأبه هذا الدكتور ، هذا الشيء ينسحب على الكتب المدرسيه ووجود معلومات تعتبر تراثيه و قديمة فيه قد حل محلها الكثير من النظريات الجديدة التي نسفتها ، وربما بعض الفتاوى !
وهم المعرفه أصاب مجتمعنا فمتى الخلاص منه ؟
Tagged: 2016, مقال, وهم المعرفة, المناهج التعليمية, تدوينه