
كنت كتبت تدوينة في شهر يناير عن فقدان الشخصية وما أقصد به هي صفاتي التي تشكل ماهيّة يزيد ، ولكن دعوني أتحدث عن نفسي قليلاً لطالما كنت إنسان هاديء بطبعي ، لم أهتم يوماً بالضجيج ، بل كنت على النقيض بهروبي الدائم من الضجيج ، عشت حياتي محاولاً إتباع هذا الأسلوب الذي أشبه ما يكون بالزن ، متخذاً صومعتي ملجئاً ، انشد الهدوء في أيامي ، لذلك المدونة لطالما أعاملها على هذا الأساس لتكون مغارة لقمة ضجيجي ، تدوينه بالأسبوع أو بالشهر ، أطرح فيها أفكار أو أتكلم عن جانب معين.
أتذكر في الصف الرابع بإن دخل أستاذ اللغة العربية للصف و أشار بيده لي وهو يتحدث مع معلم الفصل ، عرفت بعدها أنها تحدثوا مع والدي ليتم مشاركتي في مسرحيه متلفزه لتعرض في العيد ، أتممت المشاركه ، ولم أرغب بالمشاركة مرة أخرى ، أكتشفت حينها لا أحب تسليط الضوء ، ظهوري على التلفزيون كان أمر مزعج بالنسبة لي ، أحب الهدوء ، تكررت معي الحالة ولكن بطريقه مختلفة ، رٌشحت بعدها بسنتين لأكون كابتن الفصل للفريق الرياضي ، وكانت أسوأ سنه قد جربت فيها مرة أخرى ذاتي الهادئه ، لا أحب أن يتم الصياح بأسمي في المدرجات ، رغم حصولنا على البطولة تلك السنه في القدم والطائرة ولكن دائماً ما كنت أتوارى في أي ترشيح يوضع أسمي عليه ، حتى أتممت التخرج ، ما لم أحسب حسابه هو أن بعد كل تلك السنين يقفز الشعور من جديد في حياتي عند سماع ذلك النداء في غرفة أنتظار المستشفى بأسماء سارا بنت يزيد ، لورا بنت يزيد ، الدكتور يرغب برؤيتهم ، يمكنهم الدخول ، هذا الثقل الذي عاد على صدري من جديد بتولي مسؤلية الأخرين ، وليس آخرين ، بل هم جزء منك ، بناتك الذين خرجوا دفعة واحدة بعد زواج أستمر عشرة أعوام.
تغيرت حياتي بالكامل مع حضورهم ، مشاعر جديدة لم أسمع بها لإنها بكل بساطه لا يستطيع أحد أن يصفها لك حتى تصل إلى مسامعك ، بين الإشراق و القلق ، مفردتين تحمل بينهما الكثير و الكثير من المعاني و المشاعر و اللحظات ، بين شقاء الألم و شقاء السعادة.

حضور البنات كان إكمال لمسألة معقدة أعيشها هذه الفترة من حياتي تحديداً ، والسبب يعود من جديد لهذه التغيرات التي تتسرب إلي حياتي دونما أشعر ، أطلقت كتابي في عام ٢٠١٧ ، كنت أنوي بإصدار كتابي الثاني في عام ٢٠١٩ ولكن بدأت في نفس الوقت بمشروع ثقافي جديد وهي منصة بروج الثقافية بعد محاولات سابقة لبلورة الفكرة ، لم يكتب لها البداية إلا في عام ٢٠١٨ حيث البداية ، توسعنا في فرعنا الثاني ليكون في الرياض و من ثم الخبر فرعنا الثالث ، وننوي أن نفتح في جدة ، تحولت المنصة إلى فكره فلسفيه مبنيه على العطاء و يؤمن به المنتمين لبروج ، وعاد يزيد إلى المكان الذي دائماً ما يهرب منه وهي بقعة الضوء ، حتى أنني بالمدونه لم أتحدث عنها و أهرب من الصور في صفحات المنصة و أعتزلت رئاسة المنصة.
لم يكن الكتاب ولم يكن بروج كافياً بحياتي حتى بدأت بمشروع المطعم في مدينة الرياض التي تبعد عن مقر إقامتي ووظيفتي بأربع مائة كيلو متر ، مما جعلني في كل نهاية أسبوع أذهب إلى الرياض من أجل متابعة عمل تأسيس المطعم وحتى لحظة إنطلاق عمل المطعم ، و أصبح هناك طاقم عمل للمطعم ينتظر تعليماته و إرشاداته كل يوم ، وساعه ، عن ماذا يفعلون وماذا يقومون.

زادت مسؤولياتي في العامين الماضيين ، وأصبح وقتي ضيقاً ، لا أجد وقتاً للقراءة و الكتابة الشخصية ، بينما تحولت كتابتي وقراءتي للأعمال ، لهذا كنت أفقد طاقتي كثيراً وكتبت في التدوينه السابقة ، كيف أسترد طاقتي أجوبة القراء ساعدتني جداً في عودة الطاقة لي ، أشياء تعلمتها لأول مرة ، هناك عالم ضخم من محاولات الإنسان في هذا المجال بإختلاف مذاهب هذا المخلوق الضعيف الذي يستمر في المحاولة و المقاومة ، أشياء كثيره تحدث ، حروب ، وباءات ، ولادات ، وفيات ، فقدان ، أكتشاف أصدقاء جدد ، ولكن الأهم في هذا العام هما لورا و سارا ، أغرب القادمين ، وبالتأكيد ألذهم !
أفكر في كتابة تدوينات تساعدني في العودة لذاتي ، لكن عن أي موضوع ممكن أتحدث عنه؟ عن تجربتي في التطوع مع بروج أم تجربتي في التجارة أم قدوم التوأم؟ أم موضوع أخر ؟